29 أكتوبر 2025
تسجيلأذكر أنني في أول زيارة لي للشام في يونيو من العام 1991 وقعت في غرامها فور أن وطأت قدماي أرضها وما كتبته في الزميلة الراية آنذاك شاهد على هذا الغرام الذي بدأ بالقراءة والمتابعة وانتهى برؤية العين المجردة وهو ما منحه التوهج لعشقي لها والذي ما زال يرافقني حتى اللحظة وأظنه أنه لن يغادرني . بيد أن سوريا الوطن الشعب ليست هي سوريا النظام وإن كنت لم أختلف معه قبل تفجر ثورة الشعب قبل ثمانية أشهر بسبب توجهاته القومية ووجوده على خط المواجهة الأول مع الكيان الصهيوني وقيادته لتيار المقاومة أو بالأحرى الممانعة على مدى العقود الأخيرة وإن لم يشارك على نحو مباشر في أي مواجهة مع الكيان وبالذات في مرتفعات الجولان التي ما زالت خاضعة للاحتلال منذ يونيو في العام 1967 ومن ثم فإن الخلاف مع النظام - لاسيما نظام بشار الأسد - لا يعني مناهضة سوريا المكان والمكانة الشعب والوطن وهو ما يعني أنها تتربع في قلوب أبناء العروبة جيمعا وأظن أن ذلك هو السر في الحرص عليها من قبل أشقائها العرب واندفاعهم في حميمية لمساعدة الحكم على التخلص من ورطته التي أدخل نفسه فيها منذ إعلانه المواجهة مع شعبه الذي ثار مثله مثل شعوب المنطقة مطالبا بالحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية عبر تظاهرات سلمية اجتاحت مختلف المدن لكن بشار وبطانته رأوا أن ذلك لا يبنغي فليس من حق الشعب أن يطالب وإنما عليه أن يتلقى هبات الحكم ويتنفس من هوائه ولا يخرج أبدا عن النص المحدد له من قبل بشار وزبانيته من أشقاء وأصهار ورجال أعمال يمسكون بمفاصل الوطن ورقاب العباد وليس ثمة ما يمنع من خروج نفر يمارسون غواية. الهتاف للزعيم الذي لم يعد شابا بعد أن أصابته لعنة السلطة والاستمساك بها بل القبض عليها بالحديد والنار. لقد حدد الأشقاء العرب مبكرا جملة من الخطوات التسي رأوا أنها تمثل إنقاذا لسوريا من براثن السقوط فى هاوية الفوضى والاحتراب الداخلى وطلبوا عبر مبادرة أقرت فى اجتماع وزاري طارئ في شهر أكتوبر الماضى وتوجه الأمين العام للجامعة العربية إلى دمشق وقابل بشار الذي قدم له وعودا باتجاه حلحلة الأزمة لكن سرعان ما لفظ الواقع هذه الوعود واستمر النظام مطلقا قوات الجيش المعدة في الأساس لمواجهة الكيان وتحرير الأرض المحتلة ومعها قوات الأمن في مواجهة مع المتظاهرين السلميين فسقط الآلاف شهداء وجرحى ومقعدين فضلا عن الدمار الذي لحق بمنازلهم وممتلكاتهم وإصابة الوطن بحالة من الكآبة والاحتقان والبلادة وكرات النار التي لاتكف عن ملاحقة الأرض والعباد. ومع ذلك فإن العرب لم يسكنهم القنوط فقرروا تشكيل لجنة وزارية برئاسة الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثانى رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية وتضم في عضويته وزراء خارجية مصر والسودان والجزائر والسودان وسلطنة عمان وتوجهت بعد فترة عناد وتحفظ إلى دمشق - يوم الأربعاء قبل الماضي - وخرج رئيس اللجنة ليقدم البشارة بأن ثمة أجواء ودية وصريحة سادت اللقاء مع الرئيس بشار وهو ما منح بعض الأمل فى مقاربة سورية لطروحات ومحددات المبادرة التي حملتها اللجنة والتي سرعان ما استكملت مداخلاتها بالدوحة يوم الأحد قبل الماضي . وجاء مساء الأربعاء الماضي محملا بعبير موافقة سورية على خطة العمل العربية التي تتضمن أربعة بنود رئيسية هي : وقف العنف ضد المحتجين وسحب الآليات العسكرية من الشوارع والإفراج عن المعتقلين والبدء في الإعداد لمؤتمر الحوار الوطني بين الحكومة ومكونات المعارضة السورية وسادت القاهرة في ذلك المساء الذي اتسم بطقس لطيف مناخات من التفاؤل الرسمي بيد أنه على المستوى الشعبي خاصة من قبل المعتصمين من أبناء الجالية السورية على الرصيف الملاصق لمبنى الجامعة كان الطقس ملبدا بالغيوم وسحب الغضب الذي ارتفعت صيحاته بعد الانتهاء من القاء بيان الاجتماع الوزراى منددة بما أسمته بصمت الجامعة العربية تجاه جرائم بشار ومطالبتها بإقصائه عن السلطة وإغلاق باب الحوار معه فلم يعم ثمة جدوى من الحوار ولكن يمكن التفاوض مع نظامه لتسليم السلطة وبحث ترتيبات رحيلهز صحيح أن ثمة أنباء وردت من دمشق عن بدء الجيش السوري في الاستعداد للانسحاب من المدن والبلدات وأن هناك خطة متدرجة للإفراج عن المسلحين لكن المعضلة تكمن في أن ثمة انعدام ثقة في طروحات النظام التى يمكن اعتبارها - وفق رؤية دوائر معارضة ومحللين سياسيين – محاولة لكسب الوقت ونوعا من المناورة الالتفافية واستجابة مؤقتة للضغوط العربية والإقليمية والدولية لكن جوهر استراتيجية النظام يظل كما هو بعيدا عن أي مقاربة للتبديل والتغيير وهنا تتجلى ملامح الخطر لأن الخطة العربية غير قابلة ل "اللف والدوران "والتعبير للشيخ حمد بن جاسم الذي دعا إلى التطبيق الجاد والفوري لبنودها وذلك ليس من باب الأوامر -كما يقول – وإنما من منظور الحرص على استقرار سوريا وشعبها. وأظن أن هذه الخطة بعناصرها التى قوبلت بالارتياح العربي فضلا عن الارتياح الاقليمى والدولي وهو ما جسدته سلسلة البيانات من مختلف الدول الكبرى والمؤثرة بما في ذلك روسيا والصين اللتان تقدمان الإسناد السياسي واللوجستي لدمشق تمثل الفرصة الأخيرة أمام بشار ورجاله والذين بات عليهم أن يضعوا فى حساباتهم أن معادلة الاستبداد والقمع والاستمرار فى السلطة لم تعد قابلة للتمدد زمينا أو القبول بها شعبيا فالشعوب العربية بدأت في تذوق طعم الربيع المدهش والممتع بعد أن ظلت تتذوق على مدى عقود حكم النار, فما الذي يدفعها إلى القبول به وما الذي يمنعها من الاستمرار في المواجهة مع النظام حتى لو أدى الأمر إلى حمل السلاح وإعلان القتال والمقاومة مثلما حدث مع نظام العقيد القذافي في ليبيا فانتهى به الأمر إلى القتل والسحل تنفيسا لغضب وقهر أكثر من أربعة عقود . فهل يدرك بشار ورجاله من زمرة السلطة الجنهمية في سوريا والمعروف عنها قساوة القلب أن تطبيق الخطة العربية هو إنقاذ له من حبل مشنقة الشعب والتاريخ معا ؟ فبوسعه أن يستوعب دروس مبارك وبن علي والقذافي ويسارع إلى التصالح مع شعبه من خلال القيام بإصلاحات جوهرية تطال هيكلية النظام الذي كرسه والده حافظ الأسد بما يحقق انتقالا سلميا للسلطة عبر آلية الاقتراع المباشر وتحت رقابة القضاء والعالم وفتح أبواب الحرية والعدالة الاجتماعية الحقيقية. إنني لا أتمنى لبشار مصيرا مماثلا للقذافي فهو أكثر ذكاء منه لكن ما أخشى عليه هو وقوعه تحت فخ التقارير التي تؤكد له أنه ليس مبارك أو بن على أو القذافى وان سوريا ليست مصر أو تونس او ليبيا فقد ثبت أن من يردد مثل الأقاويل لا يدرك إرادة الشعوب وقدراتها وإمكاناتها التي تستمدها من الخالق الأعظم الله سبحانه وتعالى والذي لا يبخل عليها بالعون والإسناد العلني والخفى مثلما مع حدث مع شعوب مصر وتونس وليبيا والتي انتصرت على مستنقعات حكم فاسدة وأشد استبدادا وقدرة على امتلاك القمع من نظام بشار . ما أخلص إليه ,أنه على بشار أن يتجاوب مع عقلانية الطرح العربي ولا يصير رهينة لأصوات داخل الحلقة الضيقة المحيطة به وتظهره بأنه مختلف عن غيره من الحكام , ليتعامل فحسب مع الحقائق التي تواجهه ,وفي مقدمتها أن ثمة شعبا انخرط في الثورة وقدم الشهداء ولن يوقفه إلا التسليم بمطالبه التي تصب في إعادة المياه إلى بردي وتتويج الشام على عروش الجمال والغبطة والسكن والحرية في أمة استيقظت فيها صحوة لن تكف عن معانقة البشر والأوطان. السطر الأخير: هو البحر يسكنني أم أسكنه مقيم في الوجدان أم قابض على الروح استعدت في حضرته براءتي القديمة جروحي المسافرات عنفوان عشقى نوارسه اللائي يرسمن البهجة المستدامة وجهى الذي غابت ملامحه فاستنار في غمضة عين بانت أشواقه اندثر وجعه لم يعد جوع بالسواحل استيقظت زرقاء اليمامة اجتاحتنى نذر القيامة غاب البكاء عن صباحاتى صار الياقوت بهجة لمساءاتي [email protected]