15 سبتمبر 2025

تسجيل

المغرب.. انتخابات مفصلية حاسمة

07 أكتوبر 2016

تظل المملكة المغربية حالة خاصة ضمن الوضع العربي العام!، وهي حالة لا تنفصل أبدا عن تاريخ وطبيعة الصراع الاجتماعي والسياسي في تلك المملكة العربية العريقة التي شهدت أوضاعا خاصة، وعاشت ظروفا متميزة، ومرت بمحن وشدائد وصعوبات شكلت مسيرة الأوضاع العامة، فالمغرب بلد المفاجآت.. وكما قيل (إذا كنت في المغرب.. فلا تستغرب)!، والمغرب منذ بداية المسيرة الديمقراطية التي أنهت مرحلة (سنوات الرصاص) عام 1998 بعد تشكيل حكومة التناوب التي قادها المعارض القديم عبد الرحمن اليوسفي، ثم رحيل الملك الحسن الثاني صيف عام 1999، وقيام العهد الجديد تحت إدارة الملك محمد السادس الذي أرسى تقاليد وقيم مختلفة بالكامل عن المراحل التي سبقته، كان يعيش مرحلة متغيرات بنيوية كبرى غيرت شكل وطبيعة الحياة ورسمت معالم نهضوية وتنموية واضحة عبر تفكيك كل أدوات القهر والتسلط السياسي وبناء تجربة وطنية انفتاحية سبقت الربيع العربي بمراحل، وجسدت الحالة المغربية الاستثنائية الخاصة المنبثقة من تحالفات سياسية وعقد اجتماعي ورعاية ملكية هي الضامن الحقيقي لكل المتغيرات والمستجدات، بكل تأكيد لم يصل المغرب بعد لما يطمح له الجميع، ولكن هاجس الاستقرار في بحر هائج ومتلاطم من الصراعات الإقليمية والدولية ظل هو الهدف المركزي الذي تعمل جميع القوى السياسية المتباينة من أجله، بناء مغرب القرن الحادي والعشرين كان يتطلب تهدئة وطنية حقيقية، ورسم مسار ديمقراطي فاعل، ومشاركة سياسية أوسع، وفتح المجال للقوى الاجتماعية والسياسية التي كانت مغيبة لتشارك في صنع القرار، بعد أن تم في المراحل السابقة، وفي أخريات عهد الملك الراحل الحسن الثاني طي الكثير من ملفات الصراعات المأساوية التي عصفت بذلك البلد في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وبعد التوصل لإقرار دستور عام 2011 تم إجراء انتخابات تشريعية عامة فاز بأغلبية أصواتها حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعتدل بقيادة السيد عبد الآله بنكيران الشخصية القيادية السابقة في حركة الإصلاح والتجديد وأحد الوجوه الشبابية التي شكلت توجها إسلاميا معتدلا لا يلغي الآخرين ولا يقف عند حدود جامدة بل يتعامل بواقعية مع ما هو سائد ويحاول التغيير ضمن إطار التوافق الوطني، ويخوض في بحر تعديل المسار وسط تحديات ليست سهلة أبدا وهو ما أشار إليه بنكيران أكثر من مرة بأحاديثه عن (العفاريت والتماسيح) التي تواجه حكومته الائتلافية التي ضمت اليمين والوسط واليسار وخصوصا حزب التقدم والاشتراكية (الشيوعي المغربي)!، إضافة لأحزاب التجمع الوطني للأحرار المحافظ وحزب الاستقلال قبل خروجه من السلطة برغبته وحزب الحركة الشعبية (الأمازيغ).. بنكيران اليوم يخوض الانتخابات بعد حصيلة حكومية امتدت لخمسة أعوام شهد المغرب خلالها تغيرا وتطورا واضحا انعكس على مستوى الحياة الاقتصادية والاجتماعية واستمرار عمليات التنمية البشرية وسط تحديات إقتصادية وسياسية وحتى أمنية هائلة، ففرض الاستقرار ليس مسألة سهلة في وضع عربي هائج اختلط فيه الحابل بالنابل، ونمو الطبقة الوسطى المغربية تواجهه تحديات كبرى رغم لجوء الحكومة لإجراءات غير شعبية من أجل دعم الاقتصاد مثل رفع الدعم عن المحروقات، وتدهور مستوى التعليم العام والمصاعب الكبرى في الملف الصحي في البلاد، وهي مشاكل حاولت الحكومة مواجهتها بأساليب مختلفة، ولكن العامل الأكبر يتمثل اليوم في تصاعد الصراع بين حزبين رئيسين هما حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الأصالة والمعاصرة المعارض اليميني والخصم الشرس المدعوم من الطبقة التجارية وكبار رجال المال والأعمال، وهو تنافس قد تطور بعد انحسار قوة اليسار التقليدي مثل الاتحاد الاشتراكي المتراجع بقوة وكذلك حزب الاستقلال الشهير، أما الجماعات الإسلامية الشهيرة مثل جماعة ( العدل والإحسان) المحظورة، فقد ظلت معارضة لكل ما هو سائد رغم رفع الحظر منذ عام 1999 عن تحرك قيادتها وأعضائها وهي حركة تعمل تحت الأرض واقعيا ولها أنصارها بين الطبقة العاملة والأشد فقرا.. السيد بنكيران يتطلع لولاية جديدة مستندا لملفات حزبه النظيفة من الفساد والاستغلال والملفات المشبوهة ومعتمدا على الثقة الملكية رغم الصدام مع طبقة المستشارين الملكيين وخصوصا مع المستشار القوي فؤاد عالي الهمة، أما حزب الأصالة والمعاصرة فهو يتطلع لإحداث مفاجأة والفوز بكعكة السلطة رغم الجماهيرية الساحقة للعدالة والتنمية الذي تزوقه تصريحات بنكيران الشعبية التي تضفي على المشهد المغربي الساخن لمسات من الظرف والمزاح!.مزاج الناخب المغربي صعب للغاية ولا يتوقع لنسبة المشاركة أن تكون مرتفعة بسبب إحجام العديد من الشباب عن المشاركة، ولكنها حملة ساخنة وستكون لنتائجها تأثيرات كبرى على مستقبل التطور الديمقراطي والاجتماعي في المملكة العلوية العتيدة.انتخابات مفصلية في وضع هو القمة في الحساسية والتعقيد.