13 سبتمبر 2025

تسجيل

العراق.. أوجاع الحرب وهواجس التقسيم

07 أكتوبر 2015

حالة الحيرة والتخبط والفوضى القيادية التي يمر بها العراق وهو يحاول الخروج من أزماته البنيوية المستعصية قد رسمت على الرمال العراقية الساخنة والمختلطة بفيروسات الكوليرا العائدة وبشلالات الدماء المنهمرة خطوطا قانية تؤشر على المستقبل العراقي البائس، فوسط دوامة الحروب الشرق أوسطية، ومع مهرجان الفوضى السياسية والأمنية القائمة في العراق والتي أنتجت تخبطا فوضويا تعاني منه الدولة العراقية بعد تصاعد الصراع بين المكون الطائفي الواحد، فإن أوضاع العراق باتت تسير وفق منهج ضبابي غير واضح المعالم، فحملات (تحرير) المدن الخارجة عن السيطرة الحكومية في الموصل والأنبار ونواحيها تسير بشكل متعثر وسط تشكيك أمريكي صريح بقدرة القوات العراقية على التعامل مع ذلك الملف الشائك، وفي خضم حالة التفكك التي يعاني منها الحشد الشعبي بعد ظاهرة هروب واختفاء مئات الآلاف من عناصره بين باحث وطالب للجوء في دول الغرب الأوروبي، وبين منسحب من ميادين القتال بعد انعدام الدافع والمحفز ووسط إفلاس الدولة العراقية وعجزها عن تغطية رواتب ومخصصات أفراد الحشد، إضافة للإستراتيجية الفاشلة والتكتيك العقيم لإدارة المعارك وحيث قدم الحشد خسائر بشرية مروعة وكبيرة جدا جعلت عناصره تفضل الانسحاب من ساحات المعارك وترك الأمر للحكومة التي تعاني من صراعات الاستقطاب الحاد بين أطرافها، فليس سرا القول بأن تصاعد الصراع بين رئيس الحكومة حيدر العبادي، ورئيس الحكومة السابق وزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي قد وصل لدرجة حادة بسبب عرقلة المالكي لكل خطط الإصلاح والتغيير المفترضة وحيث يرى المالكي أن العبادي مجرد عنصر من رجاله ولا يقبل أبداً الامتثال لقراراته أو حتى القبول بها ولو على مضض، فالمالكي ما زال مهيمنا على أغوار الدولة العميقة، كما أنه ما زال يمتلك عناصر وأوراق لعب كثيرة ومتنوعة وأدوات ضغط ووسائل تآمر برع بها من خلال قيادته لتنظيم الدعوة في تسعينيات القرن الماضي، فهو رجل السراديب وعوالم المخابرات ونشأ وترعرع وسط أجواء تآمر استخبارية في العاصمة السورية دمشق، كما أن هيمنته لفترة طويلة على ملفات الجيش والأمن في العراق خلال الفترة من 2006 وحتى 2015 قد وفرت له مساحات هائلة من المعلومية استخدمها بمهارة في إدارة صراعاته لذلك استطاع المالكي أن يتجاوز ويقفز على كل المطالبات الشعبية بمحاكمته ومحاسبته عن سنوات إدارته الفاشلة والكارثية بل وأقدم على الهجوم المسبق من خلال التلويح لمعارضيه بملفات فساد كبرى تطال حتى أبناء المراجع وكبار القادة السياسيين في العراق وهو ما جعله مركز قوى في عراق الطائفية والفشل المريع. حروب العراق الداخلية قد وضعت حيدر العبادي وحكومته أمام معادلة داخلية صعبة الحل، فالتغيير صعب ويكاد أن يكون مستحيلا في ظل المقاومة الداخلية الشرسة، والجماهير المتظاهرة أسبوعيا تطالب بمنجزات ميدانية ملموسة فيما العبادي مغلول الأيدي محدود الحركة ضائع بين الولاء لحزب الدعوة الذي ينتمي إليه والذي بات يتلقى اللعنات الجماهيرية، وبين أن يكون رئيسا لحكومة كل العراقيين وهو ما يفرض عليه نزع رداء الحزبية الضيق والخروج من جلباب الحزب في مغامرة غير مأمونة العواقب. واستمرار حالة اللاقرار في العراق هو أسوأ وضع يمكن أن يجد أي مسؤول نفسه فيه.. والصدام حتمي وقادم بسرعة بين نوري المالكي المتطلع لعودة قوية جديدة لسلطة وبين حيدر العبادي الذي بات يصرح علنا برفضه لعقلية وأسلوب (القائد الضرورة الجديد)، ويقصد نوري المالكي. أما جماهير الحشد الشعبي المتفكك فقد سئمت من الحروب العبثية وباتت تتطلع لأي حلول تساهم في تهدئة الأوضاع ولو كانت حلولا مؤلمة مثل (تقسيم العراق) طائفيا ومناطقيا وعرقيا. كل الإرادات باتت تتطاحن في عراق ممزق يدور في حلقة مفرغة، خصوصا بعد الهجمة الروسية الأخيرة التي أضافت للانقسام الداخلي الحاد الشرس عوامل جديدة، فهل سيتمسك العبادي بطلب المساعدة من الروس في حلحلة أزمته العسكرية المستعصية، وهل سيسكت الأمريكان عن تلك الخطوة إن تمت؟!. وهل سيتحرك الوضع العسكري للقضاء على تنظيم الدولة وسط دوامة التدخل الروسي لنجدة نظام بشار في الشام؟. معركة إقليمية صعبة وأدوات تتطاحن، وعراق يدور في فلك المأساة والفوضى، وسط هواجس وأمنيات متنوعة وقلقة.