26 أكتوبر 2025

تسجيل

الغيوم السوداء تتلبد

07 أكتوبر 2014

المعركة المستمرة للسيطرة على مدينة عين العرب "كوباني"، بين مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية والمقاتلين الأكراد المدعومين بغارات مقاتلات التحالف والتي تستحوذ على اهتمام الإعلام العربي والعالمي، تشير إلى التغيرات الاستراتيجية في الخارطة الميدانية في سوريا والعراق والعالم العربي كله، فهذه المعركة تدور بين تنظيمين غير حكوميين، مقاتلي دولة الخلافة ومقاتلي الحماية الكردية، فالمهاجم هو تنظيم من المتطوعين والمدافع أيضا مشكل من المتطوعين، ولا وجود أو أثر لأي جيش لأي دولة أو نظام حاكم. هذا التغيير في المعادلة يعني أن الجيوش العربية المحلية قد خرجت من المعادلة العسكرية الميدانية في الحرب الدائرة هناك، فالجيش السوري، أو بالأحرى جيش الأسد مشغول في معارك ليس من بينها عين العرب، والجيش العراقي، والمكون من الشيعة، انهار أمام مقاتلي الدولة الإسلامية بسرعة الضوء، وعمد المالكي الى تكوين مليشيا شيعية "الحشد الشعبي" لكي تساند هذا الجيش أو تحل مكانه لتكون أساسا لتشكيل جيش جديد، وهذا الجيش مع مليشياته لا يلوي على شيء، أما الجيش التركي، فهو يراقب الوضع عن كثب ومن بعيد، ويخشى أن يتورط في حرب لا يستطيع أن يخرج منها أبدا، حرب قد تدمر منجزات تركيا الاقتصادية في السنوات العشرة الأخيرة. ولكي تكتمل الصورة فإن الجيش العراقي الرسمي، المكون من الشيعة، هو الحلقة الأضعف بين المكونات العسكرية وشبه العسكرية الشيعية والإسلامية والقبائلية، من الحشد الشعبي وبدر والعصائب الشيعية ومقاتلي القبائل، والصحوات السنية وبالطبع مقاتلي الدولة الإسلامية "تنظيم البغدادي". والجيش السوري الرسمي "جيش الأسد" لم يكن ليصمد في الحرب ضد الثوار السوريين لولا الدعم الكبير والمستميت من مقاتلي حزب الله، أي أن الحرب تدور أساسا بين مقاتلي تنظيم حزب الله الشيعي المدعوم بمليشيات شيعية عراقية، مثل أبو الفضل العباس وعصائب أهل الحق وغيرها، المدعومون من الآلة العسكرية لـ "جيش الأسد"، في مواجهة فصائل ثوار الشعب السوري المتعددة وجبهة النصرة، والقتال هنا يدور أساسا بين تشكيلات غير نظامية وغير حكومية، والجيش الرسمي السوري هنا ليس أكثر من ديكور لاستكمال المشهد. وفي اليمن الصورة واضحة جدا، بل أوضح منها في العراق وسوريا، فقد تمكن الحوثيون "تنظيم أنصار الله" من السيطرة على العاصمة اليمنية دون أن يواجهوا أي مقاومة من الجيش اليمني الرسمي الذي انهار تماما في يوم واحد، وسلم كل مقراته طواعية للحوثيين، وهنا انتصر تنظيم مسلح غير حكومي وغير نظامي على العاصمة والبلد، وكانت له اليد العليا تماما في المواجهة. وتحولت ليبيا إلى مرتع للتشكيلات المسلحة غير النظامية، بدون وجود أي جيش أو تشكيل عسكري نظامي أو رسمي يمتلك شرعية شعبية وقانونية، وسيطرت هذه المليشيات أو الفصائل العسكرية غير النظامية على ليبيا، واختفى أي أثر للدولة والنظام والجيش النظامي. وكذلك الأمر في الصومال، حيث لا وجود للدولة منذ أكثر من ربع قرن، وتتحكم المليشيات والقبائل والعصابات في البلد، في ظل غياب كامل للدولة أو المؤسسات، وتحول قادة المليشيات إلى "أمراء حرب" يتحكمون بكل صغيرة وكبيرة في البلاد. وفي لبنان يهيمن تنظيم حزب الله على الحياة، وهو أقوى من الجيش اللبناني الرسمي الحكومي، والذي لا يمتلك القدرة ولا القوة ولا العقيدة في مواجهة مع أي كان، مما حوله إلى مؤسسة للحراسة والتدخل المحدود في حال فشلت قوات الأمن والدرك في حل إشكالية ما بين السكان، لكنه لا يستطيع أن يخوض أي مواجهة مسلحة مع مقاتلي حزب الله الذي يمتلكون أسلحة تمكنت من دحر الجيش الإسرائيلي القوي في جنوب لبنان، إضافة إلى هذا حزب الله يمتلك شبكة اتصالات خاصة بها ومعسكرات تدريب ومؤسسات لا يملك الجيش اللبناني مثلها.