ما بين الناقد والأديب

إن النقد فى اللغة، هو التمييز بين الحسن والرديء، واظهار الجيد من السييء. أما النقد فى الأدب، فقد عرّفه الأديب " جرجى زيدان " بأنه ابراز جوانب الاستحسان والنقص على السواء، وأن كلمة (انتقاد) ليست تعنى احصاء العيوب وحدها، ونريد من باب (الانتقاد التقريض) كلا الجانبين، بابداء رأيهم فيما يسمعونه، ان كان حسنا أو قبيحا فدعوناه لذلك (باب التقريض). واذا كان النقد هو كشف مواضع الجمال والنقص فى العمل الأدبي، فان الذى يقوم بذلك، وأعني" الناقد" شخص مصاب بالحساسية الحادة اتجاه كل ما يسمعه ويقرأه من النصوص الأدبية، ذائقته عالية فى التمييز والتقييم، الى حد تشريح النص المقابل له، بتبصر أكثر، أكثر من صاحب النص أحيانًا، راصد بطابع أدبي، بأدوات النقد ومعادلاته الخاصة. و لعل النقد، كسائر العلوم له من الآداب ما يجب على الناقد اتباعها، حتى يكون النجاح تكامليا، بين العمل الأدبى وما يقابله من رصد نقدى دقيق. أهمها: الموضوعية. على الناقد أن يتحلّى بالموضوعية ازاء أى نص يقوم برصده، أن يغض الطرف عن الشاعر أو الكاتب، ويصب تركيزه على جوانب العمل الأدبي، بنقاط ضعفه وجوانب قوته، باظهار جمالياته، وتمييز عيوبه، دون التطرق الى ذات الأديب، والتهجم على شخصه، كنوع من تصفية الحساب، أو التشفي. ففى كتاب الديوان، أمطر ابراهيم عبدالقادر المازنى الكاتب المنفلوطى بصواعق نقده، اذ اتهمه بالأنوثة والنعومة، حتى وصفه " بالندّابة "، وهذه أبرز المطاعن التى وجهت الى المنفلوطى على الاطلاق. ومن جانب آخر، يستلم عباس محمود العقاد الشاعر أحمد شوقي، فيصف شعره بأنه " شعر القشور والطلاء" البعيد كل البعد عن "شر الطبع القوى والحقيقة الجوهرية". و لو قمنا بالتمعن، فقد ظل الشاعر أحمد شوقى " أمير الشعراء "، تنساب قصائده فى القلوب، وتسكن حواشى الألسن على مر الأزمان، كما بقى المنفلوطى صاحب الأدب الفذ، برواياته المترجمة، وكتبه التى تعتبر أبلغ ما كتب فى العصر الحديث، ككتابى " النظرات والعبرات "، فى حين بقى النقد فى كتب النقد، لا يطلع عليه سوى المهتمين بذلك اللون الأدبي، ناهيك عن الفكرة الأبدية أنهم فى يوم من الأيام، هاجموا الشعر والشعراء بصورة غير منهجية ولا موضوعية. لاشك أن النقد ثروة فكرية، بأهميته، وقوة حضوره فى الأدب، فهو يقوّم النص الأدبي، وهيبته فى قلوب الكتاب والشعراء، اذ يصبح الأديب أكثر دقة فى انتاجه، محاولا تلافى الأخطاء فى انتاجه اللاحق، ولكن يظل العمل الأدبى أبقى منه بلا منازع، وأخلد فى القلب والتاريخ والذاكرة. Twitter: @aljaadelqatar E — mail: [email protected]