13 سبتمبر 2025

تسجيل

الشيوعيون العراقيون بعد الثمانين

07 أكتوبر 2013

في ظل أجواء سياسية عراقية كئيبة وهزيلة، أطلق الحزب الشيوعي العراقي وهو واحد من أقدم الأحزاب السياسية العراقية تاريخا وعملا وانتكاسات مروعة إشارة الانطلاق لبدء احتفاليته ببلوغه الثمانين من العمر في 31 مارس المقبل! أي أنه احتفل بالشيخوخة المؤدية للهلاك البيولوجي، فمن مدينة الناصرية الجنوبية والتي شهدت قيام الرفيق يوسف سلمان يوسف (فهد) بتأسيس الحزب الشيوعي العراقي عام 1934 بعد سنوات من تأثر بعض النخب العراقية المثقفة بالفكر الماركسي والاشتراكي وقيام الأممية الثالثة أو (الكومنترن) من قاعدته السوفيتية السابقة موسكو بتأسيس أحزاب شيوعية وطنية في بلدان العالم الثالث تدور في الفلك السوفيتي كان أبرزها في الشرق الأوسط الحزب الشيوعي العراقي وكذلك زميله السوري، وطبعا دون تجاهل الحزب الشيوعي الإيراني (حزب توده).. هذه الأحزاب لعبت أدوارا هائلة في مسيرة تاريخ الشرق طيلة العقود الثمانية الماضية من عمر الصراع الإقليمي في المنطقة، ودون شك فإن الشيوعيين العراقيين الذين يحتفلون بثمانينية حزبهم هم اليوم من أضعف الجماعات وأقلها تأثيرا في الشارع العراقي بعد أن كانوا في أواخر خمسينيات القرن الماضي على وشك تسلم السلطة في أعنف وأحرج وأدق سنوات الحرب الكونية الباردة! وهي مفارقة غريبة وعجيبة ولكنها تخفي أسرار ووقائع وحقائق الحالة الاجتماعية في العراق. لقد انطلق الحزب الشيوعي من وسط فلاحي عراقي فقير ومعدم أيام العهد الملكي وحين كان العراق في بداية تكونه السياسي المستقل بعد قرون طويلة من الهيمنة الأجنبية التي بدأت مع سقوط بغداد أمام جحافل المغول عام 1258 وحيث ظل العراق بعد ذلك التاريخ نهبا مشاعا للغزاة والطامعين حتى دخل الجنرال الإنجليزي مود بغداد في ربيع عام 1917 ليعلن أنه دخلها محررا لا فاتحا!، لتنشأ الدولة العراقية الحديثة ولأول مرة منذ قرون طويلة في أغسطس 1921 وليكون الملك فيصل بن الحسين الهاشمي أول ملك عربي يحكم العراق ويحاول إعادة بعثه وتأسيسه وتكوين دولة حداثية في ظروف مرعبة من التخلف الاجتماعي والعام لبلد تحكمه أعراف عشائرية. بعد نهاية الحرب العالمية الثانية مجد الشيوعيون العراقيون الدور السوفيتي وكان طبيعيا أن تطالهم سموم الحرب الباردة وتم إعدام قيادتهم المؤسسة الرفيق فهد وحازم وصارم عام 1949 لتأخذ الأمور منحى آخر وينخرط الحزب في نشاط سري انقلابي تآمري مع ضباط الجيش وهو ما حصل في انقلاب 14 يوليو الدموي عام 1958 وهكذا جرت الأمور في ظل تطاحنات دموية أدت في المحصلة للانقلاب على حكم اللواء عبد الكريم قاسم الذي كان عراقويا وليس شيوعيا، وجاء البعثيون ليشعلوها مجزرة دموية عام 1963 التهمت حياة آلاف الشيوعيين دخل العراق في سلسلة انقلابات انتهت بانقلاب البعثيين الثاني في 17 يوليو 1968 أما الحزب الشيوعي العراقي فقد أنهكته الانشقاقات وحملات المطاردة وعاد خجولا لينضم لجبهة وطنية ملفقة أدارها البعثيون وكانت مدخلا لتصفية نهائية للشيوعيين العراقيين الذين هربوا زرافات ووحدانا من العراق عام 1978 بعد انهيار الجبهة التي أشهرت عام 1973، وتشتت الشيوعيون العراقيون بين دمشق وموسكو وبراغ وصوفيا ثم كردستان العراق عبر حركة الأنصار المسلحة التي كان لحزب جلال طالباني دور مهم في إقامة مجزرة مروعة لهم يعرفها الشيوعيون جيدا، وانقسم الحزب الشيوعي لفرع كردي وفرع عربي!! بعد أن انهارت الأممية ومات الاتحاد السوفيتي وانحسرت الشيوعية من العالم، ثم دخل الشيوعيون العراق بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003 وهم أشبه بالأيتام على مائدة اللئام وبنفس شعاراتهم القديمة وعدتهم الفكرية المستهلكة في زمن طائفي عراقي مقيت. لقد تقزم الحزب حتى أضحى مجرد خاتم معدني بيد جنرالات المنطقة الخضراء من أقطاب المشروع الإيراني، فلا وطن حرا ولا شعب سعيدا.. بل بقايا من خراب وشعوذة هي كل حصيلة حكم أهل حزب الدعوة الإرهابي، أما الحزب الشيوعي العراقي فقد تحول بعد ثمانين حولا من الصراع لمجرد دمعة في التاريخ.! [email protected]