17 سبتمبر 2025

تسجيل

طوباوية العملة العربية الموحدة

07 أكتوبر 2012

على مدى أكثر من خمسين عاما لم يحقق التعاون الاقتصادي العربي التقدم المنشود وظل يراوح في مكانه لتتراكم القرارات والتوصيات ويتم فيما بعد وضعها على أرفف المكاتب وخزائن جامعة الدول العربية التي قررت مؤخرا دراسة إمكانية إطلاق عملة عربية موحدة، وذلك بناء على اقتراح مقدم من اتحاد المصدرين والمستوردين العرب. ومن غير المعروف الأسس التي اعتمدتها الجامعة العربية حول هذا الاقتراح والذي يحمل طابعا عاطفيا غير قابل للتطبيق أكثر منه توجها يستند على أسس موضوعية وعلمية يمكن من خلالها السعي لإطلاق مثل هذه العملة. لقد تميز العمل العربي المشترك، بما فيه الاقتصادي بهيمنة الجوانب العاطفية البعيدة عن الواقع، مما يؤدي إلى ركن القرارات العربية في زاوية النسيان لسبب بسيط، وهو أنها غير قابلة للتطبيق لعدم توفر الظروف اللازمة لتنفيذها، فالسوق العربية المشتركة، وهي مسألة أقل تعقيدا من العملة الموحدة لم يطبق بندا واحدا من بنودها منذ الاتفاق بشأنها قبل خمسين عاما تقريبا، أي في عام 1964، أما منطقة التجارة الحرة التي بدأ العمل بها منذ عشر سنوات، وهي تمثل بداية متواضعة وسهلة التطبيق من خلال إلغاء الرسوم الجمركية على السلع العربية المنتجة محليا، فإنها مازالت بدورها تعاني من الجمود. وإذا كان ذلك هو واقع الحال، فإنه من غير المعروف الأسس التي استندت عليها جامعة الدول العربية في تبنيها لمبادراتها اتحاد المصدرين والمستوردين العرب، إذ إن العملة الموحدة لأي تجمع اقتصادي لا يمكن الوصول إليها قبل عملية تحضير تشمل تطبيق اتفاقيات مشتركة، كمنطقة التجارة الحرة والاتحاد الجمركي والسوق المشتركة وتوحيد الأنظمة والتشريعات المالية، هذا أولا. أما ثانيا، فإن العملة الموحدة تتطلب تقاربا في الأوضاع المالية والنقدية، وبالأخص قوة الموازنات الحكومية ونسب العجز والدين العام وتقارب أسعار الصرف للعملات الوطنية وسياسات الائتمان وأسعار الفائدة ونسب التضخم..إلخ من المسائل المالية والنقدية المعقدة والتي تتفاوت بصورة صارخة وكبيرة بين البلدان العربية في الوقت الراهن وتعرقل عمليا أي توجه لإطلاق عملة عربية موحدة في المدى المنظور لغياب الأسس الموضوعية اللازمة لذلك. ويمكن الإشارة هنا إلى أحد هذه التفاوتات الكبيرة بين البلدان العربية، فحصة الفرد من الناتج المحلي تبلغ أقصاها في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تجاوز متوسط دول المجلس 40 ألف دولار للفرد في عام 2011 في حين يبلغ هذا المعدل ألفين دولار فقط في اليمن ولا يتجاوز الألف دولار في الصومال، هذا ناهيك عن التفاوتات الأخرى، ففي الوقت الذي تحقق فيه الموازنات الخليجية فوائض كبيرة، فإن موازنات معظم البلدان العربية الأخرى تعاني من العجز المزمن وتعتمد على المعونات الخارجية. وإذا ما أخذنا تجربة دول مجلس التعاون الخليجي، كمثل بارز للتعاون الجماعي في المنطقة، فقد أحرزت العديد من الخطوات المتقدمة في المجال الاقتصادي، كإقامة منطقة للتجارة الحرة والاتحاد الجمركي والسوق المشتركة، إلا أن مسألة توحيد العملة مازالت بحاجة لجهود إضافية ومكثفة للوصول إليها، وذلك رغم مرور أكثر من ثلاثين عاما على تأسيس المجلس والتجانس الكبير بين الاقتصادات الخليجية وتقارب مؤشراتها التنموية وتشابه أنظمتها المالية والنقدية والتي اكتست طابعا جماعيا موحدا في الآونة الأخيرة. ومن حيث المبدأ، نعم هناك آفاق للتعاون الاقتصادي العربي، إلا أن هذه الآفاق لابد وأن تنطلق من قاعدة علمية وموضوعية تأخذ بعين الاعتبار الظروف المحيطة والتفاوتات والقدرات الاقتصادية للبلدان العربية، إذ إن البداية الصحيحة لهذا النمط من التعاون يمكن أن تبدأ من إقامة منطقة للتجارة الحرة تعفي بموجبها المنتجات المحلية من الرسوم الجمركية، على ألا يتم الانتقال إلى مرحلة أخرى أكثر تقدما إلا في حالة إنجاز مرحلة منطقة التجارة الحرة بصورة كاملة، وذلك إذا ما أريد لهذه الخطوات الطموحة أن تنجح وتحقق الأهداف المرجوة. وبما أن جامعة الدول العربية تزخر بالعديد من الكفاءات المجربة، فإن عليها الاستفادة من التجربة الخليجية وتسخير الوقت والجهد لإعداد صيغ للتعاون أكثر منطقية واستجابة للواقع مع الابتعاد عن العواطف والتمنيات غير القابلة للتطبيق لعدم نضوج الظروف اللازمة لإنجاحها. عندها فقط يمكن لمثل هذه المبادرات أن تتمتع بالمصداقية وأن تتجاوب معها البلدان العربية.