15 سبتمبر 2025

تسجيل

الرابح و الخاسر في معضلة الحصار

07 سبتمبر 2017

ستحل يوما قادما من الأيام ساعة استخلاص العبرة و قراءة جرد الحساب لما وقع فيه بعض الحكام الخليجيين من مطبات الحصار و سيجبر الذين ظلموا جميعا على مراجعة المواقف و معاناة صعوبة النظر في عيون المتضررين و الاعتراف المتأخر بالخطأ و محاولة جبر الأضرار. سيحل اليوم الذي يدركون فيه أن الرابح في الصفقة هو من يتربص بالخليج و بالعرب و يحتل بعض أراضيهم و يقتنص ثرواتهم و ينتظر ساعة الفتك بما تبقى لديهم من تضامن و ما يربط بينهم من أواصر الأخوة حتى تحقق الصفقة غاياتها المشبوهة في تفكيك النسيج العربي بدءا من نواته الأولى و قلبه النابض أي مجتمع الخليج مهد العروبة المؤسسة على إسلامها. المستهدف الأكبر في الصفقة الشريرة هو وحدة الخليج و تناصح حكامه منذ أن أثبت الملك الصالح رحمة الله عليه فيصل بن عبد العزيز سنة 1973 بأن تلك الرمال التي جاءت بالرسالة المحمدية و نشر قيمها و بعث حضارتها لقادرة بأن تحبل بالتحدي التاريخي لقوى الاحتلال و الاستكبار و الشر و تؤكد للعالم أن العرب وحدة صماء. سيأتي اليوم الذي يكتشف فيه المحاصرون أنهم ضربوا بقصد أو بغير قصد أقدس ما يحصن العرب من المؤامرات الكيدية و المطامع العنصرية. والعالم يدرك اليوم أن قطر أقوى من ذي قبل و أن أميرها تحول من مجرد حاكم دولته إلى رمز الصمود و التصدي في عيون كل عربي من المحيط إلى الخليج و كل إنسان في القارات الخمس يدرك معنى الحق أمام الباطل. وإذا قرأنا تسلسل حلقات التاريخ العربي الحديث وجدنا أن الحصار الذي بلغ أيامه التسعين ما هو سوى حلقة جديدة لكن مبتكرة ومعادة التكرير من الصراع القديم بين أمة عربية مسلمة تتوق إلى مجدها و حرية قراراتها و استقلال شعوبها و بين قوى استعمارية استعلائية تريد استعبادها و إذلال مواطنيها و نهب ثرواتها دون حرب أي بأقل الخسائر و بدفع بعض العرب ضد البعض و تأليب الغافلين و المغرورين ضد الصامدين. حلقة أخرى في مسلسل لعله أقدم مما يتصورون كانت بداياته مع الحملات الصليبية حين تكاتف الغرب المسيحي ضد دار الإسلام منذ انطلاق تلك الحملات التسع عام 1095 حين دعا البابا يوربان الثاني ملوك أوروبا إلى الهجوم على المشرق الإسلامي و تدمير بيت المقدس و ارتكاب مذبحة 1099 حتى جرت دماء المسلمين أنهارا في ظلال المسجد الأقصى. ثم استعاد الأعداء حملاتهم مع انتشار الاستعمار و التنصير و النهب منذ حملة نابليون على مصر و الشام سنة 1798 و احتلال الجزائر سنة 1830 إلى أن تمردت الأمة على محتليها و نجت بدينها و حصلت على استقلال دولها. لكن منطق العدوان الحضاري استمر بأشكال عديدة مختلفة فتغلغل التحريف الثقافي و اللغوي و زرع الاستعمار الجديد في نفوس بعض العرب بذور الاستنقاص و احتقار الذات و تمكن الغرب العنصري من احتلال فلسطين وحط رحال جيوشه في بقاع كثيرة من أراضي المسلمين و تفكيك نسيج العرب و اليوم ندرك أن حلقة الحصار بأسبابه المدلسة الواهية تندرج في خارطة طريق أعداء الأمة لأنهم يخططون و نحن غائبون و يتآمرون و نحن غافلون و يتوحدون و نحن متفرقون. فكيف يبرر المحاصرون فداحة الحصار وتداعياته حين يعلن من قبل أربع حكومات غداة اجتماع قادتها مع سمو أمير قطر في مناسبات متعددة لم يسجل فيها المراقبون أي خلل في الدبلوماسية القطرية الأمينة و لم يسمعوا أي لوم موجه لسلوك قطر و لم يكن سلوك قطر فيها و قبلها و بعدها سوى السلوك الأمين الصادق الملتزم بقرارات الأغلبية و أولها مكافحة ناجعة للإرهاب و ملاحقة مرتكبيه و التعاون مع المجتمع الدولي لتجفيف منابعه؟ كيف نقرأ المفاجأة العجيبة التي طرأت بلا مقدمات و لا تفسيرات على المجتمع الخليجي المعتدل المتجانس ذات صباح معلنة 13 مطلبا عبارة عن قائمة استحقاقات اشترك فيها الخليجيون جميعا دون استثناء مثل العلاقات مع طهران الجارة و المسلمة بل إن قطر تأتي في الدرجة الرابعة من حيث مستوى التبادل التجاري مع إيران من بين دول مجلس التعاون وهو ما يشير إلى ممارسة النفاق الساطع و المغالطات الواضحة من أجل خلق مشكلة وهمية لم تعد تنطلي على الناس. ولو فكرنا في الخاسرين لوجدنا أن من بادر بهذا الكيد هو الذي سيدفع فاتورة أخطائه قريبا عندما يكتشف أن قطر عادت أقوى و أرسخ قدما على درب الحق لأن الامتحانات القاسية تزيد الأمناء قوة حين يزهق الباطل.