15 سبتمبر 2025

تسجيل

التوازن والعدل في نقد الأفكار وتعددها في عصرنا الراهن

07 سبتمبر 2014

منذ فترة كتب أحد الباحثين مقالة حول قضية المؤامرة التي يقول بها البعض، وقال ما خلاصته "إن هذه الرؤية التي يطلقها البعض، وأن مقولة الغرب، يتآمر علينا مجرد أوهام في عقول بعضنا ليس إلا، "وأننا نعطي لأنفسنا حجماً أكبر بكثير من حجمنا الحقيقي، فنحن في نظر كثير منا مركز العالم وليس لدى أمم الدنيا من شغل سوى التآمر علينا.. ولا نريد أن نعترف بحجمنا الحقيقي وبدورنا المتواضع في الحضارة المعاصرة "ونحن بدورنا سنسأل هذا الكاتب..هل صحيح أن قضية التآمر مجرد وهم اخترعناه وصدقناه وبعد ذلك جرينا وراء هذا الوهم مثلما فعل جحا ـ كما تقول الحكاية ـ عندما أخبر أهل قريته أن هناك وليمة في منطقة قريبة وعندما جرت الجموع لحضور الوليمة تبعها جحا لتوهمه بصدق هذه القرية المخترعة منه؟أم أن هناك أصلا لهذه الحكاية وأن الحقبة الاستعمارية الماضية كانت أكبر من المؤامرة وربما تتجاوزها في تأثيرها ونتائجها المأساوية في تراجعنا الحضاري والتكنولوجي؟ وهل صحيح أن الغرب لا يهتم بنا ولا يلقي لنا بالاً بحجم المكانة الضعيفة والدور المتواضع في عصرنا الراهن وأن الأمم الأخرى لديها ما يشغلها عنا، ناهيك عن أن تتآمر علينا؟! وكان بودي أن لا يضع هذا الكاتب تلك الأحكام الجاهزة غير العادلة في علاقة "الأنا بالآخر" أو على الأصح بين الإسلام والغرب، ونحن نتفق كما قال هذا الكاتب إننا في مؤخرة الركب الحضاري والتكنولوجي والاقتصادي.. لكن أليس تصويرنا بأننا نشكل خطراً على الحضارة الغربية وأننا نملك قدرات كبيرة وأن الصراع القادم سيكون بين الغرب والإسلام وأننا.. وأننا.. إلخ...مجرد مؤامرة لبقائنا في قائمة التخلف والتواضع والهامشية؟! [وهذا الرأي يدحض ما ذهب إليه كاتبنا الكريم في تصوير علاقتنا بالآخر]، وحتى يقتنع صاحبنا، أن هذا الكلام الذي نقوله ليس اجتهاداً خاصاً أو طرحاً عاطفياً عابراً بل إن هناك آراء ودراسات وأطروحات تناقش هذا الرأي بقوة وبشكل علني وصريح، لذلك سوف نعرض آراء بعض مفكري الغرب ومنظريه فيما ذهبوا إليه وهو ما يخالف رأيه وطرحه تماماً.أقوى هذه الآراء وأخطرها ما طرحه الدكتور صموئيل هنتغتون في بحثه الشهير [صدام الحضارات].. يقول هنتغتون: "إن الصراع في المستقبل سيكون صراع الحضارات، وإن الغرب ينبغي أن يستعد للنزال مع الحضارة الإسلامية إذ هي حضارة معادية ومن الاستعداد للصدام الدموي: تجريد المسلمين من عناصر القوة والنهضة منذ الآن، حتى إذا وقع الصدام تكون قدرات العدو ضعيفة وتكون تكاليف المواجهة ـ من ثم ـ قليلة خفيفة!!"، ماذا نقول في هذا الرأي الذي طرحه واحداً من أبرز الأكاديميين الغربيين ورئيس أكاديمية هارفارد للدراسات الدولية والإقليمية، وهل نحن نستطيع المواجهة مع الغرب الذي يملك العدة والعتاد والمكانة الدولية؟ وما هو تفسير هذا الكاتب في مقولة هنتغتون؟ أليست فعلاً مؤامرة كاملة الأركان بنص العبارة "تجريد المسلمين من عناصر القوة والنهضة منذ الآن"، القضية تحتاج إلى مراجعة ذاتية تخلصنا من تلميع الآخر وتبريره و"تضخيم الذات أو جلدها. أيضاً المفكر الفرنسي [روبير شارفان] العميد السابق لجماعة نيس الفرنسية قال في إحدى الندوات التي عقدت في المغرب مؤخراً حول [الإسلام والغرب] إن هذه الرؤية [صدام الحضارات] تفترض حاجة الدول إلى خلق عدو وهمي أو فعلي يكون بمثابة "كبش فداء" تتحدد مهمته في تبرير المتاعب الداخلية لتلك الدول والتمويه على تناقضاتها الفعلية فقد لعبت في هذا الإطار ـ كما يقول ـ مقولات "التهديد السوفيتي" و"الحرب البادرة" و"إمبراطورية الشر" و"مواجهة الشيوعية" دوراً مهماً في تبرير المتاعب الاقتصادية والاجتماعية التي تتخبط فيها الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.. لكن مع تفكك الاتحاد السوفيتي وبروز عهد العولمة والشمولية صار من اللازم البحث عن عدو خارجي آخر، وما لبث "مرتزقة المجموعات الصناعية والمالية الغربية" أن عينوا هذا العدو: إنه الشرق عموماً والإسلام على وجه الخصوص"!!كتاب آخر جديد، يتحدث أيضاً عن نفس المفهوم [الإسلام والغرب؟ بين التعاون والمواجهة] يقول مؤلفا الكتاب "لقد بات مألوفاً منذ الحرب الباردة الدفع بالقول بالصراع الأيديولوجي العالمي المقبل قد يكون بين "الإسلام" و "الغرب". بعبارة أكثر بساطة نقول إن الإسلام في أذهان مراقبين كثيرين باعتباره المرشح التالي الأكثر ترجيحاً لمعارضة المصالح الغربية في أنحاء المعمورة".. وهناك الكثير والكثير من الأطروحات والمؤلفات والبحوث والندوات وكلها لا هم لها إلا ترديد الرأي الثابت و "الأسطوانة" المحفوظة عن ظهر قلب التي تقول إن الإسلام هو العدو الجديد القادم.. الصراع بين الإسلام والغرب قادم لا محالة.. المسلمون يريدون السيطرة على العالم الغربي.. الخطر الحقيقي الذي يهددنا تهديداً مباشراً عنيفاً هو الخطر الإسلامي.هذا الطرح الذي يردد بطريقة عجيبة من "علية القوم" وصفوة المجتمع وأهل الفكر والرأي لا نعتقد أنه يطلق جزافاً وعشوائياً بمعنى أنه على الرغم من ضآلة حجمنا وتواضعنا الحضاري ـ وتشرذمنا وقلة حيلتنا، إلا أن هؤلاء ما زالوا يطرحون مسألة أننا ندٌ للحضارة الغربية وإننا سوف نخوض معها صراعاً حضارياً وصداماً ثقافياً وإنه لابد من الاستعداد للمواجهة من الآن !!أي مواجهة.. وأي صراع.. نحن أمة صراعنا الأساسي مع التخلف والتراجع والتواضع العلمي والتقني، ونحن أيضاً في سباق محموم مع مشكلات التنمية وقضايا الديمقراطية.. فلماذا يريد الغرب أن يجرنا إلى المواجهة وإلى الصراع والمناطحة؟!.. الموضوع إذاً واضح لا لبس فيه ولا غموض إنها خطة محكمة معدة هدفها إشغالنا في قضايا ثانوية وفرعية بدلاً من التركيز على قضايا التنمية واستئصال التخلف والمحاولة.. مجرد محاولة لعصرنة واقعنا الراهن، نجد الغرب يدفعنا دفعاً إلى الصراع. أما قول هذا الكاتب، متهكماً وساخراً إنه "ليس لدى أمم الدنيا شاغل يشغلها سوى التآمر علينا" فهو قول مردود. ذلك أن الآراء التي سردت آنفاً تبرز جانباً مهماً من الانشغال الغريب بنا وبما نمثله من مخاطر! وهذا الانشغال قد لا يعكس الواقع الدقيق بحكم ما نحن فيه، إنما يعكس نظرة الآخر دائماً لهذه الأمة بأنه ينبغي ألا تقوم لها قائمة وأنه يجب أن تشغل عن هدفها الحقيقي وهو التنمية الذاتية ودحرجتها إلى مسار آخر يعيدها إلى نقطة الصفر ثم تأتي بعد ذلك التبريرات من بعض مثقفينا وكتابنا بأن هذه الأمة تعيش هاجس التآمر الواهم من قبل الغرب، وتصطنع لنفسها مكانة سرابية مخترعة ليس إلا.. مثلها مثل مقولات الغزو الثقافي والاختراق الفضائي وغيرها!!والأغرب أن فرنسا الدولة الليبرالية حتى "النخاع" تتحدث على لسان فلاسفتها وكتابها عن الغزو الأمريكي.. والتآمر على ثقافتها وأن عصر "العولمة" المقبل هو إذاً فرض على العالم سوف تقام بسببه [صراع ثقافات] وأنه خطة أمريكية للقضاء على الخصوصية الذاتية!!لكن فرنسا وتوجسها له مبررات معقولة [عند بعضنا]، أما نحن عندما نصرخ فيجب أن يكون صراخنا على قدر حجمنا وقامتنا.. من نحن حتى نتهم غيرنا بالتآمر علينا؟.. ننظر حولنا.. ونتأمل ذاتنا قبل أن نوجه اللوم إلى الآخرين، هذه هي آراء بعض كتابنا ومفكرينا وهذا هو طرحهم ونقدهم لواقعنا، لذلك أود أن أسأل صاحبنا سؤالاً آخراً.. لماذا يريد الغرب الحضاري.. العقلاني المتقدم "المشغول عنا" بقضايا هامة أن تستثني إسرائيل المعتدية على حقوقنا العربية من معاهدة عدم الانتشار النووي؟! لماذا تستخدم الولايات المتحدة "الفيتو" دائما دعماً لإسرائيل لمجرد أنها لا تريد تطبيق اتفاقات معقودة مع العرب وبالأخص الفلسطينيون، وشن الحرب تحت ذريعة أسلحة الدمار الشامل مع الاعتراف مؤخرا بأنها كاذبة؟ فالآخر [الغرب] يعتقد أنه محارب والكل يود تدميره وإن الحضارة الغربية مستهدفة ومكروهة.. وهذه أيضاً أشبه ـ بنظرية المؤامرة ـ عندنا فلماذا نسكت في حالة الغرب "ونجلد ذاتنا" في حالتنا نحن.. ومن حق أي كاتب أن يأخذ بالرأي الذي يتفق مع قناعاته الخاصة، لكن من حق الآخرين أن يخالفوه في هذا الرأي أو ذاك، ومع ذلك فإن نقدنا لذاتنا بعيداً عن الأطياف الخادعة والقراءات الانفعالية ضرورة هامة في مسارنا الحضاري شريطة أن يكون هذا النقد عادلا ومستوجبا للحوار الموضوعي والنظرة المنهجية السليمة، وبغير ذلك نكون كمن يضع حساباته على الرمال.