12 سبتمبر 2025
تسجيلعالمنا اليوم يتقدم علمياً ويتخلف إنسانياً في كثير من المسارات الحياتية. والسؤال المُلِح الذي يفرض نفسه، كيف نحقق الأمن البيئي؟ إن الأمن البيئي يمثل المرجعية الرادعة والمنظمة والمراقبة لكافة الأنظمة والقوانين والتعليمات والضوابط والإجراءات التي تخص الشأن البيئي وغيره من الشؤون البيئية المساندة. لم يعد الأمنُ مفهوماً قاصراً على متطلبات السلامة والحماية بمفهومها التقليدي الذي يعني شعور الإنسان بالطمأنينة والسكينة وعدم الخوف من الإيذاء أو الألم، بل أصبح للأمن أبعاد غير تقليدية من ضمنها الأمن البيئي، والذي يُقصد به أن يعيش الإنسان في بيئةٍ لا تؤثر سلباً على صحته وقدرته على التمتع بالحياة ومباهجها، فإذا كان تمتع الإنسان بالحق في الحياة أمراً مسلماً به، فإن حقه في التمتع بحياةٍ لائقةٍ تسمح له بالتطور والاستفادة مما توفره له الطبيعة — من إمكانات وفرص — أصبح أمراً يحتل مكانةً بارزة في الفكر القانوني والإنساني الحديث. فالأمن البيئي يشعر الإنسان بالطمأنينة على البيئة التي يعيش فيها وعلى مواردها في الحاضر والمستقبل، إن حماية البيئة لم تعد ترفاً فكريا أو نمطاً دعائياً وإنما تعتبر أولوية قصوى يجب أن تحتل مكانها في صدارة اهتمامات الدولة — مؤسساتٍ وأفراد — وإن رفع مستوى الوعي البيئي والمحافظة على البيئة بعناصرها المختلفة ينبغي أن يكون ثقافةً وسلوكاً لدى الأفراد والمؤسسات، إذ ليس معقولاً أن نفسد الأرض التي فيها نعيش دون الأخذ على محمل الجد الأخطار التي تهدد سلامة الأرض وتعرّض للخطر حقوق الأجيال القادمة في العيش الكريم الآمن. ولعل حلقات الوعي البيئي تتكامل عناصرها بالتربية البيئية وتشجيع التقنيات الرفيقة بالبيئة وتفعيل التشريعات البيئية القائمة وتطويرها لمواجهة المشكلات البيئة القائمة ومواكبة المستحدث منها، فهذه الحلقاتُ مجتمعةً من شأنها أن تقود للمحافظة على عناصر البيئة من استنزافها. ولقد اعتمدت بعض الدول المتقدمة على الطاقة النووية، ووضعت بعض الضوابط والاحترازات لإنتاج واستخدام تلك الطاقة، ولكن تبقى المخاطرة في الاستخدام عالية جداً، والأخطاء ثمنها باهظ جداً كما حصل في محطة تشيرنوبل في أوكرانيا، والجانب الكارثي الذي خلّف، بمعنى أن الكوارث من هذا النوع من الصعب السيطرة عليها ومدى انتشارها واسع، ومضارها تراكمية وتنتقل جينياً لأجيال قادمة.. وبظهور العولمة الصناعية وآثارها الإيجابية التي خدمت كثيراً من المجالات البشرية، شكّلت بعض جوانبها أكبر الملوثات المدمرة للبيئة سواء البشرية أو النباتية، وخاصة الصناعة التقليدية. ولا يستطيع البشر في المدى المنظور سواء المتوسط أو البعيد الاعتماد على الطاقة النظيفة (Smart Power) ولكنه لا يزال يعتمد على الطاقة التقليدية من المخرجات النفطية أو الفحم، وتُعد من أكبر الملوثات على وجه الأرض. وأضرب لكم مثالا بتجارة الأخشاب وقطع الأشجار بطريقة غير مبررة، في ظل غياب استراتيجية زراعية في كثير من الدول تحتم وجود زراعة بديلة لما يقطع، مما قلل من نسبة ضخ الأكسجين في الأرض، إضافة للاستخدام المهول لوسائط النقل سواء البرية أو الجوية أو البحرية، واطراد أعدادها ووضوح آثارها البيئية المدمرة، كل هذا وما سبق ذكره من مخرجات ملوِّثة للبيئة، زاد من نسبة الغازات الخانقة والملوثة للهواء والماء على وجه الأرض، التي أفقدت التوازن البيئي دوره. ومن هنا نبعت أهمية الاستراتيجية البيئية والأمن البيئي.. وأخيرا ادعوكم جميعا وربما يكون الوقت مناسباً لتعزيز فكرة العمل التطوعي من أجل البيئة من خلال حملات النظافة وزراعة الأشجار والتعاون في فرز وتدوير النفايات القابلة لذلك وأن يصاحب ذلك حوافزُ بيئية تشجيعية يقرّها القانون وتنفذها المؤسسات. وختاماً لهذه الومضة، لا بد من التأكيد على أن الفعل في مجال حماية البيئة والمحافظة عليها هو الفيصل في الحكم على صدق التوجه الإنساني لحل المشكلات، حتى لا تبقي المعالجة مجرد مقاربات نظرية وأقوال لا تصّدقها الأفعال.