15 سبتمبر 2025

تسجيل

لماذا استهدف التطرف فرنسا بصورة لافتة ؟

07 أغسطس 2016

طرح بعض الكتاب الغربيين من الفرنسيين وغيرهم قضية ازدياد بعض الأعمال الإرهابية في فرنسا في السنوات الأخيرة منذ العام المنصرم، لكن وتيرتها ازدادت بصورة لافتة، في وقت كانت الأعمال الإرهابية في دول أوروبية أخرى قليلة مقارنة بما حصل في فرنسا من عمليات إرهابية كثيرة حصدت المئات من الأبرياء منذ عدة أشهر، واستهدفت الكثير من المواطنين الفرنسيين، وغيرهم من الجنسيات الأخرى التي تعيش بفرنسا. وطرح بعض المحللين ظاهرة التطرف والإرهاب في فرنسا، إلى جانب قضية التهميش والإقصاء في بعض الضواحي الفرنسية من العاطلين والمهشمين، إلى جانب أن اتهام العنصرية المهاجرين، كانت سببًا من أسباب التوتر والقلق في الضواحي الفرنسية قبل سنوات، وحصلت خلالها مظاهرات واحتجاجات كبيرة بعد مقتل شابين من المهاجرين أكتوبر 2005 في ضاحية "كليشي سو بوا" استمرت عدة أسابيع في كل أنحاء فرنسا، وسببت قلقًا للحكومة الفرنسية والأحزاب السياسية والنخب الفكرية والثقافية، كما جرت مسيرة كبيرة بمشال العاصمة الفرنسية، نددت بالعنصرية والتهميش وسميت بمسيرة "الكرامة ضد العنصرية" وذلك في الذكرى العاشرة لأعمال شغب جرت في ضواحي المدن الفرنسية، وقد سبق وأن خرجت مسيرات قبل 33 عاما تطالب بالحقوق، ووقف التهميش، وقد صرح بعض منضمو المسيرة أنه بعد ثلاثة عقود على هذه التظاهرة "فإن المضايقات التي يتعرض لها سكان الأحياء الشعبية من السود والعرب والروم وحتى البيض، والإهانات التي يعانون منها تشكل جزءا من حياتهم اليومية". وقد وعد رئيس الحكومة الفرنسية السابق" مانويل فالس" في 2015، بأن الحكومة الفرنسية "عازمة على محاربة العنصرية والظلم اللذين يعاني منهما سكان الضواحي الفرنسية. وأضاف: "إن مسلمي فرنسا هم أيضا أبناء الجمهورية". ولا شك أن مسألة العنصرية والتهميش يعتبرها البعض سببًا من أسباب التطرف والإرهاب، وهي التي جعلت فرنسا هدفًا لهذه الأعمال من بعض الجماعات التي تستغل ظروف وإحباطات بعض سكان الضواحي الفرنسية، وطرح الكاتب الفرنسي "فرهاد خافار" هذا الرأي في مقالة بجريدة "نيويورك تايمز" الأمريكية، وربط ما سماه بالجهادية الفرنسية والتصلب العلماني، وقال في هذا المقال اللافت: "منذ الثورة الفرنسية، يرجح الوزن الأيديولوجي لصورة الأمة (الفرنسية) عن نفسها: نازع جمهوري إلى الارتياب من الديانات، على أنواعها، بدءًا بالكاثوليكية. وهذا النموذج أُسيء استخدامه في مرحلة العودة عن الاستعمار ثم في أعوام الأزمة الاقتصادية، ووصم الخصوصيات الثقافية بعيوب، وإلزام الأجيال الجديدة بالفردية وتقليص العولمة هامش عمل الحكومات. والحق يقال، تخفق فرنسا في تذليل مشكلة التهميش الاجتماعي والاقتصادي. فنموذجها، وهو يغالي في حماية أصحاب الوظائف ولا يشمل كل العاطلين من العمل، يغذي القلق وينفخ فيه. فشباب الضواحي مهمشون والآفاق أمامهم ضيقة، وهم يشعرون بأنهم ضحية. وتتوجه البروبجاندا الجهادية إليهم وتستميلهم، غالبًا، إثر المكوث في السجن جزاء ارتكاب جنحة ما". وهذا الرأي ما تحدث عنه أيضًا وقاله الفيلسوف وعالم الاجتماع الألماني "يورغن هابر ماس" في محاضرة منذ فترة، حملت عنوان "أوروبا ومهاجروها"، من إن المشكلة التي "تحرق أصابعنا هي تفاقم الثقافة الأصولية الجمعوية داخل مجتمعاتنا. هذا المشكلة تم التعامل معها ولمدة طويلة جدًا من وجهة نظر سياسة الهجرة. ففي أوقات الإرهاب، تم معالجتها فقط على مستوى الأمن الداخلي. لكن حرق السيارات في ضواحي باريس، والإرهاب المحلي من طرف الشباب المهمّش في أحياء الإنجليزية للمهاجرين، والعنف في مدرسة روتلي، قد علمنا أن الحماية الأمنية لم تؤتِ أكلها في تحصين أوروبا. أبناء وأحفاد المهاجرين السابقين هم ومنذ فترة طويلة جزء منا. ولأن الأمر ليس كذلك، فإن ذلك يمثل تحديًا بالنسبة للمجتمع المدني وليس لوزارة الداخلية.الأمر يتعلق هنا باحترام ذوي الثقافات والديانات الأجنبية في اختلافهم وإدماجهم في إطار التضامن الوطني". ولا شك أن قضية المهاجرين المسلمين إلى بلاد الغرب، تحتاج إلى وقفة أخرى تسهم في تأسيس التعايش، وأن تتحقق للمهاجرين العيش الكريم، دون تهميش أو إساءة إلى دينهم أو حياتهم الاجتماعية، فالذي قاله الفيلسوف "هابر ماس" عن التهميش مسألة ينبغي أن تأخذ في الحسبان من قبل النخب السياسية والفكرية في الغرب، وخاصة أن هذا ما تقوله الدساتير والقوانين في الغرب عموما، وفي فرنسا بصورة خاصة، وهذا التهميش يخل بهذا النظرة الديمقراطية التي ينظر لها الكثيرون نظرة تقدير واحترام، كما أن هذا التهميش والإقصاء تستغله الجماعات المتطرفة، لزرع التكفير والغلو لهؤلاء المهاجرين، الذين يعيشون في أماكن ينقصها الكثير من الظروف الحياتية الجيدة، ولذلك لابد من النظرة الجيدة لهم وإبعاد النظرة العنصرية، وإرساء العدل والمواطنة الحقة، كما حددته قوانين الجمهورية الفرنسية، وهذا هو الحل الناجع الذي سيسهم في وقف الكثير التطرف والإرهاب.