15 سبتمبر 2025
تسجيليا عيد، إنك ما سميت عيداً إلا لأنك تعود على الناس بالفرح والسرور والبهجة، فعساك تعود بهم علينا، كما عاد إخوة يوسف بقميصه على أبيهم يعقوب، فارتد بصيرا،حاشى لمثلك أن يكون بخيلاً، فيزوي فرحته عنا ونحن نتحرق شوقاً إليها، قد أوشك صبرنا عنها أن ينفد، فلقد طالت يا عيد، رحلة صيامنا عن السعادة والبشاشة. يا عيد، أنت يوم الزينة، الزينة الظاهرة التي تكون مصطنعة ومتكلفة وكاذبة، إن لم تكن في باطن النفس زينة مثلها، تغسلها من سواد الأضغان، وتجمّلها بالحب والإحسان،تتغير فيك نظرة الإنسان إلى الأشياء من حوله، فتبدو على غير صورتها الحقيقية المعتادة، كأنها لونت بألوان الربيع الناضرة الزاهية، لكنها لا تبقى كذلك طويلاً، إذ تتجلى للإنسان لهنيهة، كلمحة من لمحات وهم الخيال، أو كحلم من أحلام نوم الليال، ثم يعود نظر الإنسان إلى ما كان يؤذيه من الأقذاء والأكدار. أيستطيع يا عيد، وجهك الوضيء الأزهر، أن يرسم البسمة على شفاه الحزانى والثكالى والمنكوبين. أيستطيع بياض صبحك المؤنِس، أن يمحو سواد أحزانهم الموحش، ويبدد شقاءهم المطبق. أيستطيع نهارك القصير، أن يبدل واقع بؤسهم الطويل. أتستطيع نفحات روضك وأزاهيرك، أن تنشر شذا أريج عبيرها الزاكي، في جو أفقنا المغشيِّ بالقَتام. لا تثريب عليك إن لم تستطع، فما أنت إلا ضيف كريم زائر، لا يلبث أن يمضي ويذهب كما أتى، لا طاقة لك بتغيير أحوالنا، ولا حيلة لك فيها، وإنما مُعوَّل تغييرها يعود علينا، إن سعينا لتغيير ما بأنفسنا من معتقدات وقناعات. يا عيد إن من بواعث فرحتك في النفس، لبس الجديد من الثياب، ولا غرْوَ في ذلك، فإن لكل جديد لذة، ولكنّ هذا الجديد سيصير حتماً قديماً، وينتهي إلى البِلى، وإننا لم نلبسه إلا من أجلك يا عيد، فهلاّ جُدت علينا بمشاعر تحمل معاني الأشياء الجديدة، ولا تتغير جِدتها. إننا لن ندعو عليك بالبعد، كدعاء الساخط المتشائم المتبرم، ونقول: ليت دونك بيداً دونها بيدُ، يكفي أنك تعود بفرحتك وضحكتك وبِشرك على أطفالنا، فينتظرونك من ليلتك بشوق عظيم نابع من براءتهم، وما فرحة الكبار إلا بقية من بواقي تلك الفرحة حينما كانوا صغارا، وأثر من آثارها، باقية بقاء الذكريات لماضي السنين المتطاولات، أو بقاء الأطلال الدارسات الخاويات. ولكن ما الذي يمنعنا من أن نخلع أثواب الأحزان، ولو لساعات، لعل اللهَ برحمته، أن يبدلنا خيراً منها، لباس إيمانٍ ويقين، يواري كل همومنا وأحزاننا، ويَشفي ويصلح ما فسد وخَرِب من أحوالنا، وييسر ويسهل ما عسُر وصعب من أمورنا، هيهاتَ هيهاتَ أن تجدي العبرات والزفرات،وأن يغني الحزن والندم على ما فات، وأن ينفع الهم والقلق مما هو آت. ما الذي يمنعنا من أن ننظر إلى ما حولنا بعينٍ ملؤها الأمل والتفاؤل والبشرى، تلك العين التي تُلقي أشعتها البيضاء الرقيقة الناعمة على المنظورات، فتنعكس عليها صورها، وعليها مَسحة الجمال والنضرة والحسن. يا عيد، رفقاً بأمانينا وآمالنا، لا تفجعنا فيهما، ولا تخيب فيك رجاءنا، وعد بما فيه فرحتنا وسعادتنا، وزفَّ الورد والنسرين والريحانا، وغنِّ طرباً وغرِّد ألحانا، فلقد طالت يا عيد رحلة صيامنا.