12 سبتمبر 2025

تسجيل

الدور الاقتصادي للبرلمانات الخليجية

07 أغسطس 2011

فهم خاطئ للمهام التشريعية والتنموية للبرلمان في الكويت تعتبر شركة "داو كيميكال" الأمريكية "The Dow Chemical Co". والتي تأسست في عام 1897 ثاني أكبر شركة كيماويات وأكبر منتج للمواد البلاستيكية في العالم، كما أنه يرجع لها الفضل في ابتكار وتطوير الكثير من المنتجات الكيماوية التي لا غنى عنها في الوقت الحاضر بسبب اعتماد العديد من الصناعات الحديثة على هذه المنتجات الكيماوية. قبل سنوات اختارت شركة "داو كميكال" الكويت لإقامة شركة بتروكيماوية مشتركة "joint venture " تحت مسمى "K-Dow Petrochemicals " للاستثمار في مختلف بلدان العالم، وباستثمارات قدرت بتسعة عشر مليار دولار، حيث تم توقيع مذكرة تفاهم بين الشركة والكويت في هذا الشأن، إلا أن مجلس الأمة الكويتي تصدى لهذا المشروع وألغاه بحجة أن هذه الاتفاقية ليست في صالح الكويت! كيف لا أحد يعلم حتى الآن، ربما بسبب الفكر التقليدي الذي لا يفرق ما بين المواقف السياسية والمصالح الاقتصادية. بعد سنتين من إلغاء المشروع الكويتي، أعلن في الأسبوع الماضي عن اتفاق شركة "داو كميكال" مع شركة "أرامكو" السعودية لإقامة أكبر مجمع بتروكيماويات في العالم بمنطقة الجبيل الصناعية على الخليج العربي وباستثمارات قدرت بعشرين مليار دولار، حيث سيقوم هذا المجمع بإنتاج مواد كيماوية جديدة تنتج لأول مرة في المنطقة. المثير في الأمر أن أعضاء مجلس الأمة لم يعيروا انتباها لعقد جزائي يلزم الكويت بدفع مبلغ ملياري دولار في حالة التراجع عن مذكرة التفاهم، خصوصا وأن سهم الشركة تراجع من 37 دولارا إلى أربعة دولارات فقط بعد فشل الاتفاق مع الكويت والذي تزامن مع اشتداد الأزمة المالية العالمية، إلا أنه عاود الارتفاع مرة أخرى ليصل إلى 35 دولارا في الوقت الحاضر. وعلى نمط عقد الكويت مع "داو كيميكال" أسهم مجلس الأمة في عرقلة العديد من المشاريع التنموية، كما أنه وبإجراءاته غير المدروسة كبد شركات كويتية أخرى خسائر جسيمة، بما فيها شركة الخطوط الجوية الكويتية والتي تحولت بفضل مجلس الأمة إلى عالة على الحكومة وتكلف ميزانية الدولة مئات الملايين سنويا، حيث طرحت مؤخرا للخصخصة. وفي كل الأحوال، فإن فوز السعودية بهذا المشروع هو مكسب لكل دول مجلس التعاون، إلا أن أحدا لم يقم بمحاسبة النواب الذين صوتوا ضد المشروع وكلفوا خزينة الدولة مليارين من الدولارات وضياع مشروع إستراتيجي يمكن أن يساهم في تنويع مصادر الدخل الوطني ضمن توجهات دول المجلس للتحضير لفترة ما بعد النفط. وعلى نفس النهج سار مجلس النواب البحريني الذي حاول أكثر من مرة الإضرار بقطاعات اقتصادية حيوية، علما بأن أجندته منذ قيامه في عام 2002 تخلو تقريبا من القضايا الاقتصادية التي تهم المواطن وترفع من مستوياته المعيشية، حيث غلبت على أعمال المجلس القضايا السياسية والمناكفات الطائفية التي أضرت بالاقتصاد. لذلك يمكن القول إنه لم تتمخض أية مكاسب اقتصادية "للديمقراطيات الخليجية" التي تاهت في سراديب قضايا ثانوية، علما بأنه تتوفر في الكويت والبحرين، كما هي الحال في بقية دول المجلس فرص استثمارية كبيرة لم يتم استغلالها حتى الآن، كما أن هناك العديد من الكفاءات الاقتصادية في البلدين التي لم يحالفها الحظ بالفوز بمقاعد برلمانية بسبب مهنيتها وابتعادها عن التجاذبات الطائفية والشوفينية، حيث يتحمل الناخبون جزءا كبيرا من هذه الإخفاقات والتي أضرت بمصالحهم وفوتت على بلديهما العديد من الفرص التنموية التي كان بالإمكان أن تساهم في تحسين مستوياتهم المعيشية وتضمن عائدات إضافية للأجيال القادمة. من ذلك يبدو أن هناك فهما خاطئا للمهام التشريعية والتنموية للبرلمان في الكويت والبحرين، حيث تحول مجلسا الأمة والنواب في البلدين لساحتي تصفية للخلافات والمنازعات وعرقلة المشاريع التنموية، وذلك على العكس من المهام التنموية التي تقوم بها البرلمانات الأوروبية، وبالأخص في البلدان الإسكندنافية حيث تخضع بعض الصناديق الاستثمارية المهمة بصورة مباشرة للبرلمان، كالنرويج على سبيل المثال، وذلك إضافة إلى مهام البرلمان الأخرى المتمثلة في سن التشريعات، بما فيها التشريعات الاقتصادية التي تساهم في جذب الاستثمارات وزيادة معدلات التنمية والمحافظة على مقدرات الدولة الاقتصادية. ربما المقارنة هنا فيها بعض الإجحاف للتجربة البرلمانية الخليجية التي لم يمض عليها أكثر من سنوات معدودة، مقارنة بالتجارب الأوروبية التي مضى عليها مئات السنين، إلا أن التنبيه لأخطاء التجربة الخليجية وحثها على الاهتمام بالقضايا التنموية أمر مهم لمستقبل هذه التجربة ولاستقرار هذه البلدان ونموها المستقبلي ولتجنب العثرات الناجمة عن فقر التجربة وكفاءة الفائزين في الانتخابات.