15 سبتمبر 2025
تسجيلجاءت الأوامر الإلهية في القرآن الكريم، وكذلك في الأحاديث النبوية، ناهيةً عن الكبر، مرهّبةً منه، متوعدةً عليه، وآمرةً بالتواضع، مرغبة فيه، حاثّة عليه، فقال عز مِن قائل:(ولا تصعّر خدك للناس ولا تمشِ في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختالٍ فخورٍ)، ومهما أساء الإنسان تقدير حجم شأنه ومبلغ قدرته، فاختال لذلك، فإن الظن به ألا يجهل حقيقة قول الله تعالى، تصغيرا له، واستهانة به:(إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا)، ولا تظننّ أن المقصود في الآية الأولى المشي وحده وحسب، فهذا مظهرٌ يسيرٌ يُشير إلى هيئة المتكبر، التي يكون عليها من جر ذيل الخيلاء، ومد العنق للسماء، خلاف ما يكون عليه عباد الرحمن، الذين يمشون على الأرض هوناً، أي بسكينةً ووقار، لا بعنجهيّة وافتخار، ولكنّ المراد بالمشي بعدُ، ما يصاحبه وما يأتي وراءه، من الزراية بخلق الله، والتيه والعُجْب والتطاول والمباهاة، بالأقوال والأفعال، والمعاملات والنظرات، التي تمثل جميعها الخلق الشائن للمتكبر، وكل ذلك يدل عليه، ويفضي إليه كما ترى، المشي مرحاً وبطرا وفخرا. صدق الشافعي حينما عبر عن هذا المعنى فقال:ولا تمشِ في منكب الأرض فاخراً فعمّا قليلٌ يحتويك ترابهاأحسن والله في قوله:(فعما قليلٌ)، القليل من الزمن المتبقي من حساب العمر، الذي لا يدري أحدٌ متى ينقضي، فيحين بانقضائه الأجل، ولم يعبّر رحمه الله بالاستقبال، كأن يقول: فإنك سوف يحتويك ترابها.ومما جاء في الأحاديث من الأمر والندب إلى التواضع، قول المصطفى عليه الصلاة والسلام:(إن الله أوحى إليّ أنْ تواضعوا حتى لا يفخر أحدٌ على أحد، ولا يبغي أحدٌ على أحد)، وفي حديث آخر يبين ثمرة التواضع ونتيجته الحميدة، وأن بالتواضع يزداد المرء رفعة، وهو (ما نقصت صدقة من مال، ولا زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، ولا تواضع أحد لله إلا رفعه الله).بل إن الله قد أمر رسوله عليه الصلاة والسلام بالتواضع، فقال تعالى:(واخفض جناحك للمؤمنين)، وأوضح له جل وعلا، أنْ لو كان خلاف ذلك، لانفضّ الناس من حوله، مع كونه رسول الله، الذي من أطاعه فقد أطاع الله، فقال سبحانه:(فبما رحمةٍ من الله لِنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك)، لعلّ الناس يعتبرون من هذا ويأخذون العظة لأنفسهم، ويفهمون معاني الرحمة واللين والتواضع، ويدركون ما لها من أهمية وضرورة في معاشرة الآخرين واكتساب ودّهم، والتقرب إليهم، ويعلمون أن الشر الذي يكفي عن كل شر، ما جاء في الحديث الشريف:(بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم).في التكبر كل الشر يقع على المتكبر، فبعد بُغض الله له (إنّ الله لا يحب المستكبرين)، وقال تعالى أيضاً:(إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً)، يبغضه الناس ولا تكون له منزلة في نفوسهم، إلا كالمنزلة التي لهم في نفسه، وفي هذا قال الشاعر:أُحبُّ مكارم الأخلاق جَهدي وأكره أنْ أعيب وأنْ أُعاباومن هابَ الرجال تهيّبوه ومن حقَرَ الرجالَ فلن يُهاباوقال أحمد شوقي، رحمه الله، في أحد الرجال:متواضعاً لله بين عباده والله يُبغض عبده المتكبّرالم تدرِ نفسُكَ ما الغرورُ وطالما دَخَلَ الغرورُ على الكبار فصغّراهذه إحدى نتائج الكبر القبيحة السيئة، التي يجنيها المتكبر، من بغض الله وغضبه، وبغض الناس كذلك، ونتيجة أخرى هي عَمَهُ قلبه عن الالتفات إلى آيات الله، والنظر إلى ما فيها من حكم ومعارف وأسرار، تنير البصيرة، وتجلو السريرة، فيصفو لها الضمير، مما يجعله يردُّ الحق، ولا يدين له، فضلاً عن حرمان الخير والتوفيق، في الأولى والآخرة، قال تعالى:(سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق)، ألا يكفي قوله جل وعلا:(أليس في جهنم مثوىً للمتكبرين)، زاجراً ورادعاً عن التكبر!.