11 سبتمبر 2025

تسجيل

المستبد العادل.. حلال لهم حرام على أردوغان؟!

07 يونيو 2023

من أكثر ما يميز ويعقد في الوقت نفسه دراسة العلوم السياسية، ما تعرف بمعضلة التعريفات. ذلك أنك تجد أنه عندما ينشب خلاف بشأن قضية ما، يكون أصل الخلاف حول تعريف المسألة موضوع البحث أو المشكلة، إذ يذهب كل فريق إلى تعريفها وتوصيفها كما يحلو له ويتفق مع مصالحه. لذلك نجد أن كثيرا من الأحبار أريقت في إطلاق مسميات سواء من جانب باحثين جادين أو من قبل مشوشين مغرضين في مجال انتاج الفكر عبر جامعات ومعاهد غربية سيطرت عليها المصالح الرأسمالية ووجهتها لخدمة أهدافها. بالنتيجة صارت هناك فوضى مسميات ضاعت معها حقائق كثيرة وشوهت مصطلحات ومدلولات أكثر عبر الزمن. من تلك المصطلحات التي تم تشويهها عن عمد في تلك المسيرة، مسيرة السيطرة الرأسمالية، مصطلح المستبد العادل، ذلك المصطلح الذي كان شهيرا في أدبيات السياسة العربية قبل أن يتوارى في العقود الأخيرة، نتيجة خفوت أو ربما انطماس الحديث عنه مثلما انطمست اشياء كثيرة في الفكر العربي نتيجة الهجمة الغربية العنيفة. هنا يتجلى الصدام الحضاري بين حضارة حقيقية هي حضارة العروبة والإسلام وحضارة أقل شأنا هي حضارة الغرب القائمة على الاستعمار وسرقة ثروات الشعوب وتشويه أفكارهم، بعد سرقة النافع منها. وبعيدا عما يسمى نظرية المؤامرة، فإن حضارة الغرب تلك شعرت بالدونية إزاء حضارتنا الأعلى منها شأنا فناصبتها العداء وكادت لها، وشوهت كل ما يتعلق بها دينيا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا، وفكريا. فدينيا وسياسيا لا يخفى على أي عربي مسلم حجم حرب التشويه، المادي والمعنوي، التي مورست ضد الدين الإسلامي وما تزال، وأما ثقافيا واجتماعيا، يعلم القاصي والداني أيضا كم التشويه الذي تعرضت له شخصية العربي خاصة والمسلم عامة في الافلام والمسلسلات، والثقافة الغربية عموما، وخاصة في العقود الأخيرة. وأما فكريا فهذه تعيدنا إلى لب الحديث عن المستبد العادل، فمصطلح الاستبداد في حد ذاته لا يحمل دلالة سلبية حقيقية بقدر ما يدل على الحزم والضبط والربط، حتى إن الأولين كانوا يقولون إن "العاجز من لا يستبد". وقد أشار مفكرون عظام كثيرون منهم الراحل محمد عابد الجابري إلى أن لفظة الاستبداد لم يكن لها ذلك المدلول السلبي الذي يحيط بها اليوم في المرجعية العربية القديمة. وهنا يميز الجابري بين الاستبداد والطغيان، فالاستبداد هو الحزم مع العدل أما في غياب العدل فيكون هو الطغيان. وعلى نفس المنوال كانت معظم الثقافات القديمة ومنها فلسفة أفلاطون في الحضارة اليونانية التي هي أم الثقافة الغربية المعاصرة، يجمع بينها مفهوم مشترك بأن الحكم الرشيد لا يتحقق إلا بقائد يجمع بين السلطة النافذة (الاستبداد) والحكمة، وهذا يمثله في التاريخ القديم نموذجا الملك النبي سليمان والاسكندر الأكبر. فمثال الحاكم العادل غير المستبد لا يكاد يكون له سابقة في التاريخ. فكل العادلين الذين تهاونوا قليلا كانت نهايتهم نتيجة عدم حزمهم (استبدادهم)، فهذا هو عثمان بن عفان، وهذا هو عمر بن عبد العزيز، والخليفة العباسي المهتدي بالله قتلهم تغاضيهم عما يدبر لهم خشية الوقوع في الظلم والاستبداد. ولم يحدث هذا في التاريخ القديم فقط فالسنوات القليلة الماضية شهدت نماذج مشابهة في منطقتنا العربية. ووسط الهجمة الغربية على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والمستمرة رغم فوزه في انتخابات نزيهة، نضرب مثالا على المعايير الغربية المزدوجة في هذا الصدد بسؤال استنكاري: ألم يكن جورج بوش وتوني بلير من المستبدين بالمدلول الغربي عندما كذبا ولفقا تهما جزافية لأفغانستان والعراق لتبرير غزوهما. فهل حلال لهم الاستبداد مع الظلم حرام على أردوغان برغم العدل والنزاهة؟!.