19 ديسمبر 2025

تسجيل

لماذا على الاستعمار أن يعتذر للشعوب المظلومة ؟

07 يونيو 2021

في آخر حديث صحفي للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لمجلة (لوبوان) الفرنسية الأسبوع الماضي أعلن أنه لن يترشح لعهدة قادمة بل سيترك المجال للشباب الجزائري يدخل معترك السلطة وهذه علامة نيرة للحكمة السياسية التي افتقدها سلفه بوتفليقة وجاراه الزعيم الحبيب بورقيبة ثم زين العابدين بن علي، وتبين للرجل الحكيم عبد المجيد تبون أنه من الضلال وسوء التقدير التخطيط للتأبيد في السلطة وتوريث الأبناء في نظام جمهوري! أما الحقيقة الثانية التي صرح بها الرئيس الجزائري فهي أن تركيا حلت محل فرنسا لأول مرة منذ استقلال الجزائر في تصدر الدول التي ترتبط بالجزائر بالمبادلات الاقتصادية والعلاقات الصناعية والتجارية والتعاون العسكري، حيث بلغ رقم المعاملات التركية الجزائرية مستوى ال5 مليارات دولار بينما لم يزد هذا الرقم الفرنسي الجزائري عن 3 مليارات دولار وكانت فرنسا في المركز الأول نظرا للعلاقات التاريخية والجغرافية بين البلدين والروابط الاجتماعية، حيث إن الجالية الجزائرية في فرنسا هي أكبر الجاليات على جميع الأصعدة وخصص الرئيس الجزائري الجزء الثاني من حديثه لمطالبة الدولة الفرنسية بالاعتذار عما ارتكبه الاستعمار من فظائع في الجزائر يبلغ بعضها مستوى الابادة الجماعية مثل مصرع 45000 مواطن جزائري في مدينة سطيف يوم 8 مايو1945 مباشرة بعد تحرير فرنسا من الاحتلال النازي الألماني! أو محرقة قبائل أولاد رياح عام 1846حين التجأ 5000 مواطن مسلم الى جبل بالأطفال والنساء هربا من ارهاب الجيش الفرنسي فأمر الجنرال (بيليسييه) باضرام النار في الجبل بمن فيه وأطلق الجنود النيران على كل من ينجو من الحريق! ثم طالب الرئيس الجزائري كذلك باعتذار فرنسا عن المليون ونصف ضحية وشهيد أثناء الحرب التحريرية من 56 الى 62 ثم تعويض ضحايا التجارب الذرية الفرنسية في الصحراء الجزائرية منذ 58 الى 61 حين استعمل الجيش الفرنسي مواطنين جزائريين كفئران تجارب لتأثير قنابلهم الذرية ومات من مات منهم وبقيت تشويهات العديد منهم الى اليوم. مع التأكيد أن هذا الجيل الفرنسي ومنهم ماكرون ليسوا مسؤولين عما ارتكبه أجدادهم لكن الدولة حسب القانون الدولي والبند 37 من ميثاق الأمم المتحدة تظل مسؤولة عبر الأجيال عما ارتكب باسمها وتحت رايتها. ثم إذا قارنا الصمت الفرنسي بالمبادرة الألمانية الجريئة نجد فرقا شاسعا بين موقفين لدولتين أوروبيتين حيث سجلنا موقف الحكومة الألمانية من تاريخ ألمانيا الاستعماري الأسود نجد أن المستشارة ميركل اعترفت بالابادة الجماعية لسكان ناميبيا ما بين عامي 1904 و1905، حيث اعترفت ألمانيا الجمعة 28 مايو2021 للمرة الأولى في تاريخه بارتكابها "ابادة جماعية" ضدّ ناميبيا خلال استعمارها قبل أكثر من قرن من الزمن متعهّدة بتقديم مساعدات تنموية للدولة الافريقية تزيد قيمتها على مليار يورو. وقال وزير الخارجية الألماني (هايكوماس) في بيان نقلاً عن وكالة الأنباء الفرنسية انّه "اعتباراً من اليوم سنصنِّف رسمياً هذه الحوادث بما هي عليه في منظور اليوم: أي أنها كانت ابادة جماعية وأضاف الوزير الألماني انّه "في ضوء المسؤولية التاريخية والأخلاقية لألمانيا سنطلب الصفح من ناميبيا ومن أحفاد الضحايا" على "الفظائع" التي ارتكبت بحقّهم مضيفاً أنّه في "بادرة اعتراف بالمعاناة الهائلة التي لحقت بالضحايا" فانّ ألمانيا ستدعم "اعادة الاعمار والتنمية" في ناميبيا عبر برنامج مالي قيمته 1.1 مليار يورو. ومن جهة أخرى أمر الرئيس (ماكرون) بعض الباحثين أن يحرروا له تقريرا عن مسؤولية الدولة الفرنسية في ابادة قبيلة التوتسي في رواندا على أيدي قبيلة الهوتو وفعلا صدر التقرير وسيحمل ادانة موثقة للدور الفرنسي فيها حين لم يتدخل الجيش الفرنسي وترك المذابح ترتكب (ضحايا الابادة نصف مليون رواندي عام 94) وفي الولايات المتحدة هذه الأيام أذن الرئيس بايدن أن يسن الكونغرس قانونا يسمح بتعويض الأمريكان السود عن المجازر المرتكبة في الماضي بحق أسلافهم أثناء قرون العبودية فقامت السيدة (شايلا جاكسون) رئيسة لجنة الشؤون القضائية بالكونغرس بصحبة السيناتور الديمقراطي (جويس بيتي) باعداد قانون تعويضات بأكثر من ملياري دولار عن جرائم البيض الأوروبيين ضد مواطنيهم من الأصول الافريقية باستعبادهم الطويل. كل هذه الأمثلة السياسية الأخلاقية تدل على وعي عالمي متنام بضرورة اعادة النظر في الذاكرة الجماعية وحتمية المصالحة بين الشعوب باقرار العدل وتعويض أحفاد وورثة المضطهدين. كاتب تونسي [email protected]