11 سبتمبر 2025
تسجيل"ذاهب إلى الله".. "قال لي وهو يرتعش كيف أبدو، وقلت له: تبدو لي كما كنت"، وقال: "أنا لست متألما، لا تبك عليّ يا عبد الرحمن، سأكون مع الله، وجدت السلام مع الله، وأنا بخير"... كانت هذه آخر كلمات البطل في المستشفى. "كان ملاكا جميلا، وسأفتقده وسأراه مرة أخرى في الجنة، وسيكون دائما معي في قلبي وفي عظامي وعقلي"، وقال: "شقيقي الأسود عاش في كنتاكي، وأصبح أشهر رجل في العالم، وهذه رحمة من الله، وكنت دائما معه"... هذا ما نقله عبد الرحمن شقيق البطل الإنسان محمد علي الذي أجمعت البشرية على الإعجاب به والحزن عليه.لم يكن محمد علي بطلا عاديا.. كان أسطورة من لحم ودم ومشاعر وأحاسيس ومواقف، ولذلك هز رحيله العالم وحرك المشاعر في كل مكان لأنه أشهر رجل عرفه العالم حتى وهو في سن الرابعة والسبعين من عمره.. لم يكن يملك أجهزة إعلام ومواقع تواصل اجتماعي وصحف، ولكنه بسط سيطرته على كل هذه الأجهزة وأتته كل هذه الوسائل "طائعة مختارة" لأنه البطل و"الأعظم" لأنه الوحيد في العالم الذي "يطير كالفراشة ويلسع كالنحلة"، ولأنه كان قادرا على الرقص على حلبة الملاكمة في كل مرة وكأنه في حفلة عرسه، فقد كانت كل مباراة عرسا بالنسبة إليه، إلى درجة وصلت أن الآخرين لا يشعرون بالعار عندما يخسرون أمامه.. "أنه محمد علي يا رجل".. عندما عبر أحد الملاكمين عن شعوره عند خسارته أمام محمد علي.هذا البطل الذي حول الأسطورة إلى حقيقة، وحول الخيال والرؤى والأحلام إلى واقع، ليكون "رياضي القرن" بلا منازع بقدراته المميزة والذهن الحاضر والبديهة وقدرته على الكلام والتعبير بإيجاز قل نظيره.الملاكمة.. هذا "الفن النبيل" كما يطلق عليه.. رياضة عنيفة وشرسة لكن محمد على حولها إلى رياضة شعبية في مختلف أنحاء العالم وفرضها على خارطة الرياضة العالمية بطريقة لا يمكن لأحد آخر أن يفعلها.. لقد نجح فقط لأنه محمد علي.. الرجل والإنسان والمحاور والمناور والراقص واللاسع والغاضب الواثق من نفسه المحب للآخرين المدافع عن حقوق الإنسان وعن جنسه الذي وقف بكل صلابة ضد الظلم والحرب ودفع الثمن غاليا عندما رفض الالتحاق بالجيش الأمريكي للقتال ضد الشعب الفيتنامي وسجل موقفا سيذكره التاريخ حتى يوم القيامة: "لن أسافر 10 آلاف ميل لأقتل وأحرق أناسًا بريئين، إذا كنت أعتقد أن هذه الحرب ستعطي الحرية لـ22 مليونًا من أهلي، سأنضم غدًا إليهم، ليس لدى شيء أخسره بالدفاع عن معتقداتي.. سيُزج بي في السجن؟ ما المشكلة؟ نعيش في سجنٍ منذ 400 عام".وقف ضد العبودية وغير اسمه من "كاسيوس كلاي" إلى "محمد علي" وأعلن إسلامه ودافع عن دينه وعقيدته بكل قوة وعنفوان وعندما رفض منافسه إيرني تيريل أن يناديه باسمه المسلم وأصر على مناداته باسمه القديم توعده محمد علي بأن يعاقبه على الحلبة، وبالفعل ضربه بطريقة وصفتها الصحافة في ذلك الحين "بالوحشية"، رغم أن منافسه كان قويا ومن أبطال اللعبة، لكنه أراد أن يدافع عن هويته وعن حقه باسمه.لقد كان محمد علي رجلا محلقا أنه اعتبر أن "أي شخص بلا خيال يكون بلا أجنحة" وأصر على المثابرة وقال: "كنت أكره كل دقيقة تدريب، ولكن كنت دائما ما أقول لا تستسلم عليك المعاناة الآن من أجل أن تعيش باقي حياتك بطلا"، وهو الذي أمن أن "مساعدة الآخرين هو الأجر الذي تدفعه لقاء مسكنك في الأرض"، واعتبر الشجاعة إكسير الحياة "فالشخص الذي لا يتمتع بالشجاعة الكافية لن يحقق أي شيء في هذه الحياة".لقد كان خفيف الدم حكيما ووصف الملاكمة أنها "مجموعة من البيض يشاهدون أسودان يضربان بعضهما البعض"، وواثقا من نفسه وعبر عن ذلك بقوله "إذا حلمت مرة بالفوز علي، فمن الأفضل أن تستيقظ وتعتذر لي.. أنا الأفضل. كنت أقولها دائما قبل أن أعرف أنني كذلك"، وهو نفسه القائل: "الله أصابني بهذا المرض (الشلل الرعاش) حتى يظهر أنني إنسان ضعيف مثل أي شخص". اعتراف العبد لربه لا عبودية البشر، وتوج ذلك بعبارته الشهيرة: "الشخص الذي يرى الحياة في سن الخمسين كما كانت في العشرين قد ضيع 30 عاما من حياته هباء".محمد علي.. الأسطورة الآدمية الحية رفض أن يوضع اسمه في نجمة على الأرض في شارع المشاهير في هوليوود لأنه اعتبر أن اسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم لا يمكن تدنسيه ووضعه على الأرض، ولذلك وضع الاسم على الجدار وليس على الأرض.. رحم الله محمد علي وغفر له وأسكنه الجنة.