16 سبتمبر 2025
تسجيلالتريث في الحكم على الآخرين فضيلة .. وحكمة لا يتحلى بها الكثير منا وأدرك بعد خبرة سنين في العمل العام الخاص ان جوهر الشخص وما يحمله من فرحة وحب ، وسرور كان أو غضبا يمكن أن نحكم عليه فقط في النهاية عندما يمر بكل الفصول ، أي نعرفه معرفة تامة فلا يجب الحكم على شخص ما من موقف ، ربما يكون فيه غاضباً او مهموما أو شارد البال وإنما الحكم يجب أن يكون بعد خبرة ومعايشة كاملة ، ساعتها تكون راضيا عن حكمك وعن قراراتك.وفي هذا السياق : أروي لكم أعزائي القراء قصة قرأتها مؤخراً تؤكد أننا جميعا نتسرع فيما نعتقد أنه صواب وربما الحقيقة هي أبعد شيء عن ما فكرنا فيه.فيحكى أن رجلا عجوزا جلس مع إبنه البالغ من العمر 25 عاماً في القطار، وبدت الكثير من البهجة والفضول على وجه الشاب الذي كان يجلس بجانب النافذة !أخرج يديه من النافذة وشعر بمرور الهواء وصرخ "أبي انظر جميع الأشجار تسير من ورائنا" ! فتبسم الرجل العجوز متماشياً مع فرحة ابنه.وكان بجانبهما زوجان يستمعان إلى ما يدور من حديث بين الأب وابنه ، وكانا مندهشين ! فكيف يتصرف شاب في الــ25 من عمره كالطفل ؟ !!فجأة صرخ الشاب مرة أخرى : " أبي ، أنظر إلى البركة وما فيها من حيوانات ، أنظر ، الغيوم تسير مع القطار". واستمر تعجب كلاالزوجين من حديث الشاب مرة أخرى.ثم بدأ هطول الأمطار، وقطرات الماء تتساقط على يد الشاب ، الذي إمتلأ وجهه بالسعادة وصرخ مرة أخرى ، " أبي إنها تمطر ، والماء لمس يدي، انظر يا أبي ".وفي هذه اللحظة لم يستطع الزوجان السكوت وسألا الرجل العجوز" لماذا لا تقوم بزيارة الطبيب والحصول على علاج لابنك؟"هنا قال الرجل العجوز:" إننا قادمون من المستشفى حيث إن إبني قد أصبح بصيراً لأول مرة في حياته " !العبرة : لا تحكم على الآخرين من وجهة نظرك المجردة ، دائما هناك شيء ما نجهله فإما أن نلتمس الأعذار، أو نقتنع إننا نجهل ما في الحكاية وفي هذا يقول الإمام جعفر بن محمد فيما يظنه الناس حديثا نبويا فقد أخرج الإمام البيهقي بسنده في شُعَب الإيمان إلى جعفر بن محمد قال :" إِذَا بَلَغَكَ عَنْ أَخِيكَ الشَّيْءُ تُنْكِرُهُ فَالْتَمِسْ لَهُ عُذْرًا وَاحِدًا إِلَى سَبْعِينَ عُذْرًا ، فَإِنْ أَصَبْتَهُ وَإِلا قُلْ : لَعَلَّ لَهُ عُذْرًا لا أَعْرِفُهُ " ..وأخرجه إبن عساكر بسنده إلى محمد بن سيرين من قوله أي من قول ابن سيرين ، ولفظه : قال ابن سيرين : إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرا، فإن لم تجد له عذرا فقل لعل له عذرا.. وفي الأخير أود أن تكون تلك الروح وتلك الحكمة وهذا التريث في الحكم على أشياء يفعلها المحيطون بنا من أصدقاء أو أزواج أو زوجات أو أبناء أو زملاء. فربما لديهم من الحجة والمنطق والسبب والعذر ما يقنعنا ويجعلنا نزيح الشحناء والغضب منهم وسوء الظن من قلوبنا. اللهم إنك لا تهدي من أحببنا ولكنك تهدي من تشاء ، اللهم إننا نسألك أن تهدي أحبائنا وأولادنا وتهدي المسلمين جميعاً الى ما تحبه وترضاه إنك سميع مجيب الدعاء تجيب دعوة الداعي إذا دعاك ، إنك نعم المولى ونعم النصير.