13 سبتمبر 2025
تسجيلمع انتشار الفضائيات وتعدد البرامج التلفزيونية ظهرت حالة موازية في الضخ البرامجي يمكن أن نطلق عليها "متلازمة الناشطين"، بحيث تتم استضافة كثير من الناس بصفتهم ناشطين في المجالات الحقوقية والسياسية تحديدا، وبصرف النظر عن ادعاء هؤلاء لهذه الصفة، فإن إطلاقها مجانا دون مسوغات واقعية يفسد قيمة ذلك النشاط، فلربما كان هناك أكاديمي يكتفي بقاعة الدرس في المجال السياسي أو الحقوقي وينتمي دون فعالية إلى منظمة مدنية يصبح بالتالي ناشطا ويصف نفسه بذلك.ليست المشكلة في الزعم أو الادعاء مطلقا، بالعكس كلما كثر الناشطون فذلك يعني أن حراكنا الفكري والاجتماعي بخير، أي أن ذلك ظاهرة صحية ولا خوف منها، ولكن الادعاء الفارغ الذي يحسب لنا ناشطين وهم خاملون وغير جديرين بصفة النشاط، ولا يشكلون أي إضافة حقيقية لفكرة التطور الاجتماعي والسياسي، ذلك يجعلنا أكثر زيفا وتحليقا في فضاء صامت يردد حديثا بعيدا عن الواقع ولا يخدمه، بحيث يعالج مشكلة أو يبتكر حلا أو يطوّر رأيا وجدلا صحيا.سعي بعض المثقفين أو الكتاب إلى صفة الناشط غير مجدية في حد ذاتها، فذلك سهل ولكن الصعوبة في أن يرتقي الشخص إلى مثل هذه المقامات التي تتطلب جهدا حقيقيا ومعرفة واسعة وتجربة من الواقع تحيط بكل تفاصيل الموضوع والقضية التي ينشط فيها، بحيث تكون المعلومة حاضرة ومتجددة دوما، والرؤية تتسع لمزيد من النقاش والطرح، والفكرة ألمعية ومشرقة بلغة بسيطة وسهلة ورصينة.النشاط الفكري مسألة تتطلب أدوات ينبغي أن تتوفر للناشط، واستسهال الصفة يخرب على المجتمع والمتلقين رؤيتهم لأنهم يتعاملون بصورة انطباعية مع ما يقدمونه والجهات التي تقدمهم، وقد يحتاجون زمنا قبل الوصول إلى قناعة واقعية بسلبية هذا الناشط أو ذاك، ولذلك من الإنصاف للنفس والجمهور المتلقي ألا يحتفظ شخص بصفة الناشط ما لم يكن فاعلا ومؤثرا وممتلكا للأدوات والشروط الضرورية للصفة، لأن الأمر ينطوي على أمانة ومسؤولية أخلاقية، وليست من باب الوجاهة أو المزايدة مطلقا.إننا بحاجة إلى إعادة نظر في كثير من سلوكياتنا الفكرية والاجتماعية التي ترتقي بالقيم المعرفية، وتضع الأمور في موازينها ونصابها، وحين يبادر المثقفون أو من أوتوا حظا من الثقافة إلى القفز على السلالم والواقع، فإنهم يقعون لا محالة ويقع من ورائهم كثيرون يظنون بهم خيرا وقد يتبعونهم على ما انطبع لديهم عن صفاتهم، وحري بهم أن يتحلوا بالمسؤولية ويكفوا عن لبس عباءات أكبر منهم.