14 سبتمبر 2025
تسجيلسبعة وأربعون عاما قد مرت على أبشع وأشنع هزيمة عسكرية وسياسية وحضارية عاشها العالم العربي في العصر الحديث، وهي هزيمة كانت ذات مواصفات ومقاييس خاصة وطدت لعصر عربي حافل بالهزائم والكوارث والنكبات التي لم تنته حتى اللحظة. في صيف عام 1967 انتهت وبشكل سريع مرحلة عربية كانت عامرة بالشعارات والأحلام الثورية الفانتازية والأوهام التاريخية وهي المرحلة التي سميت بالمرحلة الانقلابية الثورية حينما كان الشعار الرسمي الثوري المرفوع رياء يصدح بأعلى صوته من على موجات الأثير: لا صوت يعلو فوق صوت المعركة!! ولكنها للأسف لم تكن المعركة التاريخية المنتظرة مع أعداء الأمة بل مع أبناء الأمة ذاتها من الذين كافحوا ضد الديكتاتورية والتسلط والاستبداد الذي تسببت به أنظمة عسكرية فاشلة مهزومة من الداخل ينخرها الفساد والمحسوبية والشللية وتعتمد في إدامة تسلطها على أهل الولاء. لقد سمى البعض من الكتاب العرب مرحلة الستينيات بالعصر الذهبي للقومية العربية!! ولم يكن ذلك تقويما صحيحا بالمطلق، نعم لقد كانت هنالك صحوة شعبية وقومية عربية كانت تهدف لمعانقة متغيرات العصر ولإحداث ثورة تغييرية حقيقية في المفاهيم والقيم نحو الأفضل ولكن كانت هنالك بالمقابل أنظمة عسكرية اعتبرت الديمقراطية والحرية رجسا من عمل الشيطان وكانت مأخوذة بالكامل بتجربة دول المعسكر الشرقي الشيوعي الاستبدادية والشمولية التي اعتبرها البعض قمة التطور الإنساني والتنمية الاقتصادية ولم يكن ذلك التقويم صحيحا أيضا، لقد حورب الأحرار تحت راية محاربة أعداء الأمة!! وتمت سيادة أهل الفكر الاستبدادي واعتبارهم طلائع للأمة، كما سادت الأحزاب الفاشية القومية الداعية للوحدة ظاهرا والعاملة في الباطن لتمزيق الأمة من الداخل عن طريق زرع الاستبداد والخوف والتعتيم ومصادرة الرأي الآخر وفتح السجون وأقبية المخابرات لكل صوت ناقد.لقد قدر للعالم العربي أن يقع تحت أسر أنظمة استبدادية عسكرية فاشلة كانت انتصاراتها على موجات الإذاعة فقط لا غير، فحرب عام 1967 لم تكن تختلف في إستراتيجيتها وخطوطها العامة عن حرب 1956 والتي أعمى الانتصار السياسي فيها قيادات تلك الفترة عن الأخذ بعبرها العسكرية، فالقيادة العسكرية المصرية المهزومة عام 1956 والتي فقدت صحراء سيناء أمام الإسرائيليين كانت هي نفسها وبنفس رجالها ومواصفاتها وعقلياتها القيادة التي واجهت حرب يونيو 1967 وهزمت فيها شر هزيمة ولم تأخذ بأي حكم وعبر مما تم قبل 11 عاما من الزمان تغير معها شكل العالم والأسلحة والإستراتيجيات فيما بقيت القيادات الخشبية والفاشلة و(المتعنطزة) هي نفسها بدون تغيير. فما هو مهم هو استمرار النظام السياسي وليس وحدة وسلامة الوطن، النصر الإسرائيلي السريع الذي تحقق في ست ساعات تاريخية في حرب 1967 لم يكن مفاجئا بالمرة لكل من يعرف حقيقة الأنظمة القمعية التي تفننت في قهر شعوبها وإذلالها، فاحتلال سيناء بعد تدمير الغطاء الجوي المصري في الضربة الجوية الإسرائيلية الأولى على القواعد والمطارات المتقدمة أو في العمق المصري كان تحصيل حاصل لجمود الفكر العسكري وللاستعراض المفرط في العمل السياسي. لقد دخلت قيادة مصر في حرب عام 1967 بأسلوب الهرجلة والعشوائية وكان للصراع السياسي والشخصي بين قيادات تلك الأيام خصوصا بين الرئيس جمال عبدالناصر والمشير عبدالحكيم عامر دور كبير في المأساة التي حدثت وكلفت مصر والعرب أثمانا قاسية لم نزل ندفعها حتى اللحظة، في الجبهة السورية كان نظام البعث المراهق والطائش والجاهل والطائفي قد أفرغ الجيش السوري من خيرة ضباطه وقياداته بسبب الانقلابات والتطهيرات وحملات التصفية المستمرة فكان تسليم هضبة الجولان بسهولة لافتة للنظر واحدا من أهم الإنجازات الفضائحية لنظام البعث السوري.لقد انهارت أصنام الهزيمة بعد تلك الحرب ودخل العالم العربي في مرحلة مستمرة من التصفيات والأحداث الجسام التي غيرت شكل ومعالم الحياة والسياسة العربية، لقد كانت هزيمة الخامس من يونيو نقطة البداية الحقيقية لمتغيرات بنيوية كبرى في العالم العربي وهي ستظل رغم قساوتها حدثا تاريخيا فاصلا في عالم عربي لم تتشكل ذاته النهائية بعد.