16 سبتمبر 2025

تسجيل

حريق ومحرقة "2"

07 يونيو 2012

يبدو أن قدر الإنسان أن يعيش خائفاً دائماً من كل ما حوله، ولا يختلف في هذا إنسان القرن الحادي والعشرين عن إنسان الكهف الذي كان يتلقى الصواعق من السماء وهجمات الضواري على الأرض، دون أن يملك من الوسائل ما يتقي بها هذه الشرور. وتأتي النيران التي طالما راقبها الإنسان القديم بإعجاب مشوب بالتقديس أو برعب لا يملك معه أي مقاومة، عندما تهاجمه الحمم المندفعة من البراكين أو عندما تضربه صاعقة من السماء. فهذه الطاقة الهائلة التي مبعثها سلسلة تفاعلات بين العناصر الثلاثة الأوكسجين والحرارة ونوع من الوقود (خشب أو أوراق شجر جافة أو فحم أو غيره) مسببة الاحتراق لكل ما حولها، والتي كان لها دور عظيم إن لم يكن أعظم الأدوار قاطبةً في تحول الإنسان من البدائية الى أولى درجات التمدن، فالنار التي تعلم الإنسان طهي طعامه بها، وتدفئة كهفه وحماية نفسه من الحيوانات المفترسة، وشكل التجمع حولها لطلب الدفء بداية نشوء العلاقات الاجتماعية المتآلفة والمتحلقة حول هدف معين. وتعد المرحلة التي تعلم بها الإنسان القديم إشعال النار والتحكم بها الخطوة الأولى الكبرى نحو المدنية، كما يذكر علماء الأنثروبولوجي . ويعزى للنار الفضل في أولى التقنيات الصناعية التي هيأت الإنسان للدخول إلى الحضارة، وذلك قبل استخدام الأفران الضخمة لصناعة الفخار والتعدين والزجاج وما إلى ذلك. لكن بالرغم من فوائد النار فإنها ظلت على الدوام طاقة كبيرة قد تخرج عن سيطرة الإنسان وتسبب خسائر هائلة، وتسجل لنا صفحات التاريخ قصص حرائق كبرى، اجتاحت بعض المدن وسببت مآسي إنسانية لا تنسى. فحريق روما الكبير الذي دمر ثلثي روما واستمرت النيران مندلعة فيه لستة أيام، ويقال: إن الأمبراطور الروماني نيرون هو الذي أشعل النيران وأخذ يتفرج من شرفة قصره على النار التي أخذت تلتهم مدينته التاريخية العظيمة. أما حريق لندن الشهير الذي اجتاح العاصمة الكبيرة في القرن السابع عشر، وقضى على آلاف المنازل والمباني وعشرات الكنائس، وتسبب بتشريد مئات الألوف من سكانها وخلّد ذكراه سكان بريطانيا بأغان شعبية وأعمال أدبية وفنية كثيرة. ولا ينسى أهل القاهرة الحريق الكبير الذي اندلع في مدينتهم العريقة قبل ستين سنة وأتى على المئات من المحلات والبيوت والفنادق ومباني أخرى كثيرة، منها سينما ريفولي وتسبب بمصرع وإصابة المئات من الناس. حمى الله قطر وأهلها من كل الكوارث والمحن وحفظها لنا من كل سوء وأبقاها واحة للأمن والأمان.