12 سبتمبر 2025
تسجيلأحيانا تمر الأيام على الكاتب ولا يجد ما يكتبه لقرائه في مقاله الأسبوعي، وأحيانا أخرى تتكاثف الأفكار في ذهن الكاتب في لحظة واحدة ويصبح حائرا من كثرة الأفكار التي تتطلب البحث والتدقيق والتحليل.. وخلال الأيام الماضية كنت من أصحاب المجموعة الثانية، فالأفكار والأحداث غزيرة بلا شك، مذابح في سوريا وتعامي المجتمع الدولي عما يجري هناك وبشار الأسد يستأسد على شعبه المسكين، وتطورات لبنان لم تكن بأقل سخونة من سوريا، والعراق لم يكن بعيدا عن المشهد المأساوي بقتلاه وأشلائهم في مقر الوقف الشيعي والخلافات المستمرة بين أقطاب الحكم الذين لا هم لهم سوى بيع العراق لجيرانه وليس مهما مصلحة الشعب ومستقبله، أما مصر فلم تكن بأقل سخونة بعد إصدار الحكم على الرئيس السابق حسني مبارك والذي جاء على غير هوى البعض لنرى من جديد المليونيات في القاهرة وكأن هذا المشهد لا يستطيع أن يختفي من مصر ما بعد الثورة. أعتقد أن كل هذه العناوين رغم أهميتها لم تستوقفني كثيرا ومررت عليها بسرعة، بعدما وجدت بالصدفة وأنا أبحث في العالم الافتراضي – الإنترنت – عن أخبار إيران وأحداثها. والصدفة وحدها هي التي قادتني إلى ما سأتحدث عنه، ويتعلق بأكاذيب وأوهام صرح بها مسؤولون إيرانيون لوفد من صحفيي مصر كان يزور إيران خلال الفترة الماضية. وقد اهتمت كل الصحف والمواقع المصرية بنقل تلك التصريحات تقريبا، خاصة وأن صحفيي الوفد قابلوا أكثر من مسؤول إيراني ما بين ديني وسياسي، ويبدو جليا أن طهران استفادت جيدا من المهمة الصحفية وملأت أدمغة الصحفيين بما تريده من معلومات، وتحدث مسؤولوها معهم وكأن إيران دولة محايدة ولا تتدخل في شؤون الدول المجاورة وغير المجاورة. فالمسؤولون الإيرانيون تمادوا في رسم صورة وهمية وكاذبة عن بلادهم أمام الوفد المصري، وكان الغرب حاضرا بالطبع في ذهن الإيرانيين وهم يتحدثون للصحفيين المصريين، فهو يسعى دائما للتفريق بين العرب وإيران، ويبث التفرقة والفتنة بين الطرفين لتبدأ الصراعات ثم يعلن عن استعداده للتدخل تحت مظلة عملية التسوية وحل المشكلة في حين أن غرضه هو تقسيم دولها والسيطرة على شعوبها. هذا ما قاله الإيرانيون، ولكنهم ربما نسوا أن الجانب العربي أو الخليجي لم يخلق المشاكل، وإنما إيران هي المحرضة دوما على الكراهية، فهي التي تستغل قدراتها للنيل من وحدة منطقة الخليج وتهديدها دائما بإحراقها مع إشعال مضيق هرمز لوقف صادرات النفط الخليجية إلى الخارج. ربما التزم الإعلاميون المصريون بنقل أحاديث المسؤولين الإيرانيين بحذافيرها التزاما منهم بالمعايير الصحفية وعدم التدخل في التصريحات بالتحليل، وإنما من واجبنا نحن أصحاب منطقة الخليج تحليل تلك التصريحات الفارغة من منطلق أننا سكان تلك المنطقة التي تريد إيران إشعالها وبث الفرقة بين مواطنيها. فمثلا عندما يدعي الرئيس الإيراني أحمدي نجاد أن الشعب الإيراني لا يريد أن يفرض نفسه على أحد وأن بلاده لا تتدخل في شؤون أية دولة بالمنطقة، فهنا يجب أن نتوقف لحظة ونقول له أو نسأله بمعنى أدق:" من المسؤول عن مشكلات الخليج، في البحرين والسعودية والكويت.. وأخيرا ما يجري في اليمن؟".. ألم تكن إيران هي صاحبة الأيدي الخفية في القلاقل التي نشهدها هنا وهناك، أم أن أياد أخرى تلعب في الخفاء؟ ولذلك لن نصدق ادعاءات نجاد الذي يكذب ويقول إن دول المنطقة تتصارع فيما بينها على واحد من ألف من تعاليم الدين الإسلامي وأوامر الرسول عليه الصلاة والسلام، وبالتالي لابد من أن نقف متحدين! أي اتحاد يتحدث عنه نجاد والإيرانيون، وهم يسعون إلى احتلال مناطق الغير ويدعون زورا وبهتانا بأن منطقة الخليج هي ملك لهم وأن التاريخ والخرائط يؤكدان هذا. ثم أي اتحاد يتحدث عن المدعو نجاد وبلاده لا تتركنا في حالنا، ثم يدعي أن بين إيران والعرب صداقة تجمع دول المنطقة وأن إيران تمد يدها لكافة الإخوة وعلى أتم الاستعداد لإجراء حوار مع أي دولة إذا طلب منها ذلك. ربما كنا صدقنا نجاد إذا تحدث عن كيفية الاستفادة من ثروات وخيرات المنطقة ووضع إستراتيجية محددة لخدمة أهداف ومستقبل شعوبها، ولكنه لم ولن يفعل، لأن فاقد الشيء لا يعطيه كما يقول المثل الشائع. ونترك نجاد إلى أكاذيب من نوع آخر صاحبها هذه المرة هو المدعو علي أكبر ولاياتي وزير خارجية إيران الأسبق، فهو يكرر نفس ادعاءات رئيسه مع إضافة الحبكة الدرامية عليها، معتبرا الشعوب الخليجية لا تقرأ ولا ترى، فهو عندما يتحدث ببراءة عن إمكانية إزالة أسباب التوتر بين إيران والأقطار العربية، يعتقد أن هناك من سيصدق كلامه. وعندما يدعي أيضاً أن بلاده ترتبط بعلاقات حميمة مع بعض الدول العربية وأن طهران غير مسؤولة عن إثارة التوتر أو النزاعات أو الخلافات فيما بين الدول العربية أو داخل حدود الدولة الواحدة، يعتقد أيضاً أننا سنصدقه. ثم يعود إلى النغمة المستفزة عندما يتهم الغرب بالسعي دائما إلى بث الفتنة والفرقة بين إيران والعرب!! وإذا ما حللنا أكاذيب إيران بشأن الثورات العربية والتي تعتبرها ربيعا بحق، فأي حق اعتبرته حقا فيما يجري في سوريا بأنه مجرد مؤامرة ضد طفلها بشار الأسد الذي دخل مرحلة حرق سوريا من أجل مصلحته فقط. المثير للدهشة أن الإيرانيين يدعون وقوفهم مع الشعوب العربية، ثم فجأة ينسون هذا الكلام إذا جاء الحديث عن سوريا، فتنقلب تصريحاتهم فجأة، ويعتبرون ما يجري هناك بأن مجرد أقلية تحاول الجور على حقوق الأغلبية. وأنا وغيري من الغيورين نوجه سؤالاً للنظام الإيراني الذي لا يكف عن ترديد الأكاذيب: " كيف تدعون وقوفكم مع رغبة الشعوب لتحقيق الحرية والعدالة، وبعد ذلك تتجاوزون عما يجري في سوريا عندما يريد الشعب نيل الحرية والعدالة؟".. مجرد تساؤل لن يجيب عنه النظام الإيراني المراوغ، فالإيرانيون منشغلون فقط بتحقيق مصالحه أولا وأخيرا فيما بينهم وإصلاح نظامهم المتهاوي من الداخل وحل الصراعات والفساد داخل إيران.. وسؤال ربما يكون قبل الأخير:" لماذا يرفض الإيرانيون التحكيم الدولي للفصل في ملكية الجزر الإماراتية المحتلة؟".. ونصل إلى السؤال الأهم:" لماذا يواصل الإيرانيون بث الفتن والتحريض داخل البحرين للتفريق بين شعبها الذي لا يريد سوى سلام واستقرار؟". أعتقد أن الإيرانيين أمامهم ردح من الزمن لكي يردوا على هذه الأسئلة.