31 أكتوبر 2025
تسجيلجاءت نتيجة الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية في مصر على غير المتوقع لكل القوى السياسية بلا استثناء. فلم يكن متوقعا على الإطلاق نجاح أحمد شفيق مرشح فلول النظام السابق ودخوله جولة الإعادة، فضلا عن أن كثيرين كانوا يتوقعون ألا يحتل مرشح الإخوان المسلمين مرتبة متقدمة في نتيجة السباق الانتخابي بسبب تدني شعبية الإخوان بشكل كبير في المرحلة الماضية، بسبب بعض الأخطاء التي ارتكبوها، فضلا عن الحملة الإعلامية الشرسة التي يقودها إعلاميون ولاؤهم للنظام السابق. كان المتوقع أن يصعد عبد المنعم أبو الفتوح أو حمدين صباحي إلى المركز الأول يليه الآخر أو مرشح الإخوان في المركز الثاني، وعندها ستكون النتيجة النهائية لهذه الجولة محسومة إلى حد كبير لغير صالح مرشح الإخوان. ولقد ترتب على هذه النتيجة حدوث حالة من الإحباط بين مناصري صباحي وأبو الفتوح بسبب خسارتهما معا، فضلا عن باقي القوى السياسية بسبب صعود أحمد شفيق إلى جولة الإعادة في مواجهة مرشح الإخوان، حيث اعتبر كثيرون أن هذا أسوأ سيناريو لأنهم سيضطرون إلى المفاضلة بين مرشحين غير مرغوبين من قبل قطاعات من الشعب المصري كما يدعون. وجاءت مواقف الكثير من القوى السياسية لتعبر عن ذلك، إما بالدعوة إلى مقاطعة التصويت في جولة الإعادة أو إبطال الأصوات، أو في أحسن الأحوال الطلب من جماعة الإخوان تقديم ضمانات لهم بعدم الاستحواذ على السلطة في مقابل تأييد مرشحهم في هذه الجولة. تكشف هذه الأزمة التي تضرب الساحة السياسية المصرية، عن عدة أمور: الأول منها يخص القوى الثورية والوطنية التي شاركت في ثورة يناير لإسقاط نظام مبارك، إلا أنها حينما وضعت في حالة اختيار بينه وبين وصول التيار الإسلامي ممثلا في جماعة الإخوان إلى السلطة، فضل بعضها الوقوف إلى جانب النظام السابق خوفا من سيطرة الإسلاميين. وهذا يكشف عن القناعة الحقيقية لهذا البعض الذي يعتبر أن الثورة قامت من أجل وصوله إلى السلطة وليس للسماح للآخرين بتحقيق نفس الهدف حتى لو كانوا قد شاركوا معه في الثورة، بل وكانوا هم الفصيل الذي حمى هذه الثورة. فالقضية بالنسبة لهم ليست قصية حقوق وحريات الشعب المصري بقدر ما هي قضية وصولهم للسلطة. وهم هنا لا يختلفون كثيرا عن النظام السابق والإطار الفكري الذي كان يحكمه، وهو أنه الأعلم بما ينفع المصريين وليس أحد غيره أقدر على ذلك. وقد جاء موقف التيار العلماني بشقية الليبرالي والاشتراكي، إضافة إلى التيار القومي معبرا عن هذه الفكرة. ولعل الموقف الذي أعلنه حمدين صباحي ممثل التيار القومي الاشتراكي يؤكد ذلك، حينما أكد أنه سيقف على الحياد بين مرشح الفلول ومرشح الإخوان، وأنه سيترك حرية الاختيار لأنصاره، مبررا ذلك بأنه لا يمكن أن يقف إلى جانب استبداد الدولة الذي يمثله مرشح الفلول والاستبداد الديني الذي يمثله مرشح الإخوان. رغم أن حمدين صباحي كان قد تحالف مع هذا "الاستبداد الديني" في الانتخابات البرلمانية الماضية، كما أن هذا "الاستبداد الديني" وقف إلى جواره في الانتخابات البرلمانية في 2005 في مواجهة النظام السابق. وقد استفز هذا الموقف بعض المناضلين الحقيقيين من أنصار حمدين صباحي مثل عبد الحليم قنديل أحد أشهر من يعبر عن التيار القومي الاشتراكي، حينما أكد أن هذا الموقف يدل على الانتهازية في أفضل صورها، مؤكداً أنه لا تجوز بحال من الأحوال المساواة بين الإخوان الذين شاركوا في الثورة وحموها وبين النظام السابق الذي أفسد البلاد ودمرها. ثاني الأمور التي تكشف عنها هذه الأزمة، هو الدور الكبير الذي تلعبه وسائل الإعلام في توجيه الرأي العام المصري، حينما استطاعت أن تقلب الحقائق لصالح النظام السابق من خلال العمل على تشويه القوة الرئيسية المعارضة له والقادرة على القضاء عليه وهي جماعة الإخوان المسلمين. فقد بنى الإعلام حملته على تشويه الإخوان بدلا من تلميع النظام السابق حتى لا يكون أمام الناس سوى هذا النظام للعودة إلى أحضانه مرة أخرى. وعمل الإعلام خلال الشهور الماضية على التأكيد على أن الإخوان لم يشاركوا في الثورة منذ اليوم الأول وأن مشاركتهم جاءت بعد أن أيقنوا بنجاح الثورة من أجل استخدامها في الوصول إلى السلطة. ثم عملوا بعد ذلك على استخدام بعض الأخطاء التي وقع فيها الإخوان بعد وصولهم إلى البرلمان في التأكيد على أنهم يسعون إلى الاستحواذ على السلطة وخلق نظام شبيه بالنظام السابق. وقد نجح الإعلام في ذلك نجاحا كبيرا مما أدى إلى تردي شعبية الإخوان. وكان هذا إيذانا ببدء المرحلة الأخيرة من المخطط الذي يستهدف إعادة إنتاج النظام السابق مرة أخرى. لكن هل ينجحون؟ وماذا سيفعل الإخوان والمخلصون من التيارات الوطنية الأخرى؟