31 أكتوبر 2025
تسجيلالإنسان مدني بطبعه يحب أن يخالط الناس ويتخذ الأخلاء والأصدقاء، لذا يطلق على الإنسان إنسانا لما فيه من معاني الأنس والألفة، لذا لابد لهذا الإنسان في هذه الحياة من مخالطة الناس واتخاذ بعضهم جليسا له وعونا على مشاكل الحياة، فلابد للإنسان السوي من أن يتخذ له صديقا أو أصدقاء وذلك لأن الإنسان كائن اجتماعي بطبيعته، فالصديق يؤنسه في الرخاء، ويعينه في الشدة إن كان من أهل الوفاء، من أجلِ هذا كان اختيار الصديق أمرا في غاية الأهمية ذلك لأن للصديق أثرا عميقا في فكر الإنسان وسلوكه، وهذه حقيقة لا شك فيها، فالمرء يتأثر بمن يعايش ويرافق، والصديق يؤثر على صديقه سلبا أو إيجابا لاسيما في مرحلة الشباب، فإن كان الصديق فاسدا زين له سوء الأعمال ودعاه إلى قبيح الخصال فيلوث عرضه ويدنس شرفه ويقوده إلى مهاوي الردى ويكتسب منه السمعة السيئة، وإن كان الصديق صالحا ذكره إذا نسي وأعانه إذا ذكر، فالأول يندم أشد الندم إذا مات على تلك الحال، ويسعد الثاني بإذن الله -تعالى- حين يظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله فأي الفريقين أهدى سبيلا؟.ولكن الناس متفاوتون في أخلاقهم وطباعهم فمنهم الخير والفاضل الذي ينتفع بصحبته وصداقته ومجاورته ومشاورته، ومنهم الرديء الناقص العقل الذي يتضرر بقربه وعشرته وصداقته وجميع الاتصالات به ضرر وشر ونكد، ومن هنا يجب أن ننتبه لهذه الناحية الهامة في علاقات أبنائنا وأن نتدخل بين الحين والآخر لتوجيه هذه العلاقات وجهتها السليمة، وأن نحرص على أن تكون رفقتهم للنوعيات الجادة الكريمة حسنة الخلق والمعتقد والسلوك فإن أمامهم مستقبلا يحتاج إلى جدية وجهد وعمل، فإنك إن صحبت الأخيار ارتقيت بهم إلى الله وإن صحبت الأشرار هووا بك إلى الهلاك فالصاحب ساحب والصاحب هوية لك، أنت من؟ أعرفك من أصحابك فلا يعقل ولا يقبل أن المؤمن الطاهر العفيف يصاحب إنسانا منحرفا بذيء اللسان له مغامرات في المعاصي والآثام يفتخر بها، لذلك يجب على الوالدين في البيوت ألا يتناسوا خطورة الصداقة وهم يعلمون أن الصديق أشد تأثيرا على صديقه من غيره، فإذا كان صالحا كان منه النفع والفائدة وإن كان غير صالح فهذا هو السبيل لبداية الضياع فيسير الولد بين طيات الصداقة السيئة التي تجر به إلى كل مهلكة فتنسيه حقوق الله -تعالى- وتنسيه حقوق والديه، وربما اكتسب من هذه الصداقة السيئة بعض الصفات التي تجر به إلى المهالك وتؤدي به إلى الضياع. لذلك ترى هدي الإسلام يحثنا على ملازمة الجلساء الصالحين، والتحذير من الجلساء الفاسدين وذلك لما للرفقة والمجالسة من تأثير على الفرد في حياته وسلوكه فإذا كانت الرفقة صالحة فإنها تقوده إلى الخير وتدله عليه، وإذا كانت سيئة فإنها ستقوده إلى الشر وتدله عليه، فعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة ) متفق عليه، فما أروعه من معنى وما أجمله من تصوير تتجلى فيه البلاغة النبوية وروعة البيان النوراني وإن من البيان لسحرا، إنها الصورة الحية الصادقة للجليس والصديق، فالجليس الصالح هو الذي ترتاح إليه النفس ويطمئن به الفؤاد وتنتعش الروح طربا لحديثه وتنعم بمجالسته وتسعد بصحبته إنه عدة في الرخاء وزينة في الشدة وبلسم الفؤاد وراحة النفس، فإن صحبة الصالحين بلسم للقلب وإنها للنفوس أعظم دواء وعلاج فلقد شبه الرسول -صلى الله عليه وسلم- الجليس الصالح ببائع الطيب الذي ينفحك بعطره ويغمرك بطيبه فإما أن يهديك وإما أن تجد عنده ريحا طيبة، فأنت معه في ربح دائم ونشوة غامرة، أما جليس السوء فليس هناك أبلغ من تشبيهه بالحداد الذي ينفخ بكيره فأنت معه في خسارة دائمة فإن لم يحرقك بناره أحرقك بجمره الخبيث فصحبته هم دائم وحزن لازم، فالصالح جميع أحوال صديقه معه خير وبركة ونفع وغنيمة، مثل حامل المسك الذي تنتفع بما معه إما بهبة أو ببيع أو أقل شيء مدة الجلوس معه وأنت قرير النفس منشرح الصدر برائحة المسك، وهذا تقريب وتشبيه له بذلك صحبته شرف والمشي معه زينة، وأما الأشرار فهم السم النَاقع والبلاء الواقع فتجدهم يشجعون على فعل المعاصي والمنكرات ويرغبون فيها وكأن الجليس الطالح ينفخ في أعماق جليسه فيشعل نيران الغضب والحقد والحسد والشهوة .