14 سبتمبر 2025

تسجيل

عداد حسنات حتى بعد الممات

07 أبريل 2023

يُحكى أن أحد الأثرياء، وكان يعمل بالتجارة، اشتهى ذات يوم أكل العنب وكان قليلًا بالأسواق مع بداية حصاده، فاشترى كيلوجرامين من العنب وأرسله مع أحد عماله إلى بيته ليعطيه زوجته فتنظفه وتغسله ليأكل منه عندما يرجع إلى المنزل، فأخذته الزوجة وغسلته وتناولته هي وأولادها ولم يتركوا منه شيئًا للأب. فلمَّا عاد إلى بيته بعدما انتهى من عمله، وطلب منهم بعض العنب الذي اشتراه في الصباح، قالت له الزوجة: لقد أكلته أنا والأولاد! فقال: اشتريت كيلوجرامين من العنب ولم تتركوا لي ولو حبَّة! متعجبًا كيف نسوا حظ والدهم من العنب! فقام وخرج من المنزل وزوجته تسأله: إلى أين يا أبا فلان؟ فلم يُجِبها ومضى في طريقه. ذهب إلى إحدى الشركات العقاريَّة وقال لهم: أريد أفضل قطعة أرض عندكم. وبالفعل، اشترى قطعة أرض مميزة لبناء مسجد كبير على هذه الأرض، وأنهى الإجراءات وأوصى المختصين بالبدء لبناء المسجد في وقت قياسي. فأحضرت الشركة الآلات والمواد والعمال في الحال وبدؤوا فعلًا في إنشاء المسجد. ولمَّا رجع هذا الرجل إلى منزله في وقت متأخر من الليل، سألته زوجته: أين كنت؟ قال لها: لقد فعلتُ ما ينفعني، الآن أموت وأنا مرتاح البال. قالت في خوف: أطال الله في عمرك على طاعته، لِمَ تقول هذا الكلام؟ فقصَّ عليها ما قام به وأنه نوى ببناء هذا المسجد أن يكون صدقة جارية له بعد موته، وذلك بعد موقفهم اليوم قائلًا لها: لم تتذكروني بحبة عنب وأنا حي بينكم، فكيف تتذكرونني بصدقة بعد موتي؟. في الحقيقة، قصة مؤثرة وبها حكمة بالغة من الشخص الذي يعمل لآخرته كما يعمل لدنياه، بل الآخرة خير وأبقى. الصدقة الجارية هي محور مقال اليوم؛ لأنها عدَّاد حسنات في الحياة وبعد الممات. والصدقة الجارية، من أفضل أنواع التجارة الرابحة مع الله تعالى، فيقدمها المسلم في حياته ويؤجر عليها طوال عمره في الدنيا ويستمر أجرها حتى بعد وفاته، فيظل عدَّاد حسناته يرصد أجر الصدقة الجارية التي ينتفع بها أهل الدنيا وهو في قبره حتى قيام الساعة. فعن أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله تعالى عنه - أَنَّ رَسُولَ الله ﷺ قَالَ: «إذا مَاتَ ابنُ آدمَ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثلاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ». وأشكال الصدقة الجارية كثيرة، ويمكن المشاركة فيها بكل سهولة ولله الحمد، وكلها منافع ومصالح عامَّة للمسلمين في كل مكان، أولها: بناء المساجد في الأماكن البعيدة عن العمران، وكذلك في الدول الفقيرة التي يحتاج إليها المسلمون الجدد، فعن عثمان بن عفان - رضي الله عنه – أنه قال: سمعت رسولَ الله - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - يقول: «من بنى مسجدًا يبتغي به وجه الله عز وجل بنى اللهُ له بيتًا في الجنة». ومن الصدقات الجارية أيضًا: بناء دور تحفيظ القرآن الكريم وعلوم الشريعة ورعاية طلبة العلم، وسقيا الماء، وكفالة الأيتام ورعايتهم حتى البلوغ؛ فعن سهل بن سعد - رضي الله عنه – أنه قال: قال رسول الله - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم -: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا» وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما.