19 سبتمبر 2025

تسجيل

حول صناعة "التطرف"

07 أبريل 2016

أكد العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، خلال لقائه برئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو الذي يزور العاصمة الأردنية، أن عمان وأنقرة تواجهان تحديات متشابهة، خصوصًا في ظل تداعيات الأزمة السورية على البلدين، مما يعزز إدامة التنسيق والتشاور بينهما بما يحمي مصالحهما المشتركة، ويحفظ أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط وشعوبها. وشدد على ضرورة مواجهة خطر الإرهاب عبر تكثيف الجهود المبذولة ضمن نهج شمولي وتنسيق دائم بين مختلف الأطراف الإقليمية والدولية.وتأتي تصريحات ملك الأردن هذه بعد يومين فقط من التسريبات التي نشرتها صحيفة "الجارديان" البريطانية ضمن لقاء لملك الأردن مع أعضاء من الكونجرس الأمريكي تم في يناير الماضي، والتي تحدث فيها عن صناعة "التطرف" التركية. حيث أشار إلى أن "تركيا هي التي ترسل الإرهابيين إلى أوروبا" في إطار سياسة تركية تحاول استغلال أزمة اللاجئين ودخول الإرهابيين إلى أوروبا من أجل تحقيق مصالحها والخروج من الورطة السورية، وأن "الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يعتقد أن مشاكل المنطقة يمكن حلها عن طريق أساليب الإسلام الراديكالي".موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، من ناحيته أشار في تقرير له إلى أن الملك الأردني قدم تركيا لأعضاء الكونجرس الأمريكي باعتبارها تحديًا استراتيجيا للعالم، حينما أشار إلى أن "الرئيس التركي لا يدعم فقط الجماعات الإرهابية في سوريا ويسمح للمسلحين الأجانب بدخولها، لكنه ساعد أيضًا ميليشيات متطرفة في ليبيا والصومال".ويرى مراقبون أن تصريحات العاهل الأردني والتي تم السماح لصحيفة مثل الجارديان بنشرها، تأتي في إطار الضغوط الدولية التي يمارسها الغرب وإسرائيل وروسيا على تركيا من أجل تغيير موقفها من الأزمة السورية، خاصة بعد التطورات الأخيرة التي تلت الانسحاب الروسي الجزئي، والمتمثلة في إعلان الأكراد دولتهم في شمال سوريا تحت مسمى الفيدرالية، التي تعني تقسيمًا فعليًا لسوريا وإقامة دويلات ثلاث، بدأت بدولة الأكراد في الشمال وستتلوها دولة العلويين على ساحل المتوسط، ثم دولة السنة فيما يتبقى من أراض وفقًا لخريطة الصراع المسلح الدائر الآن بين الأطراف الثلاثة.الدولة الكردية في شمال سوريا تعتبر من أكبر الخطوط الحمراء التركية. وسقوط هذا الخط ربما يعني تفكيك تركيا نفسها وإقامة دولة كردية في جنوبها على غرار دولة أكراد سوريا، والعراق من قبل. لذلك كان متوقعًا رد فعل تركي عنيف على إعلان أكراد سوريا. ولمنع رد الفعل هذا تم إشغال تركيا بالتفجيرات شبه اليومية في مدنها الرئيسية التي راح ضحيتها العشرات بين قتيل وجريح، ثم تلك التصريحات التي تصدر مرة تلو الأخرى، تتهم أنقرة بدعم الإرهاب، والتي بدأتها روسيا ثم تبعتها الأردن.ولفهم هذه التصريحات الأردنية لابد من معرفة مضمون التصريحات التي أطلقها ملك الأردن في لقاء آخر مع أعضاء من الكونجرس، خلال زيارته الأخيرة لواشنطن، ونشرها موقع أمريكي اسمه "عين على الشرق الأوسط"، والتي أشار فيها إلى طبيعة العلاقات الأردنية الإسرائيلية، التي وصلت لمستوى غير مسبوق من التعاون والاتحاد. فقد أكد العاهل الأردني أن "الطائرات الإسرائيلية ومعها الطائرات الأردنية كانت على أهبة الاستعداد لمهاجمة الطائرات الروسية على الحدود الجنوبية لسوريا أثناء طيران استطلاعي لملاحقة جبهة النصرة". وهو ما يأتي في إطار التنسيق الإسرائيلي الأردني لوضع حدود معينة للعملية الروسية جنوب سوريا، كما يؤكد ملك الأردن.هذا التنسيق الأردني الإسرائيلي وصل إلى درجة أن "الأردن حين يتحدث مع روسيا كان يمثل أيضًا إسرائيل ويتحدث باسمها"، كما يؤكد الملك، الذي أشار إلى توجيه الأردن إنذارًا للروس مفاده أن طلقة واحدة تخترق الحدود في المنطقة الجنوبية (طبعًا يقصد الحدود السورية الإسرائيلية) ستؤدي إلى "خلع جميع القفازات"، وهو ما يعني أن الأردن مستعد للدفاع عن إسرائيل في وجه الروس فيما لو خرجت طلقة واحدة باتجاه إسرائيل."وحدة الحال الأردنية الإسرائيلية" كما وصفها البعض، تعليقًا على تصريحات ملك الأردن، تعني أن الملك أراد إرسال رسالة للولايات المتحدة، بعد رفض أوباما الجلوس معه خلال زيارته لواشنطن، أن الأردن هو الأقرب لكم، بدليل وحدته الكاملة مع إسرائيل واستعداده للدفاع عنها، حتى لو كان الثمن هو الدخول في حرب مع روسيا، ثاني أكبر قوة عسكرية في العالم. هنا يمكن فهم السبب الذي دفع ملك الأردن للتبرع بإصدار تلك التصريحات التي تتهم تركيا بدعم الإرهاب، بل وصناعته وتصديره لأوروبا والعالم كله. إنها المحاولة المستميتة للحفاظ على الدور الذي أوجده الغرب للأردن بالتبعية والحفاظ على مصالحه الاستراتيجية في المنطقة، وفي المقدمة منها أمن إسرائيل ومواجهة الإسلام السياسي، والذي تمثل تركيا أحد أركانه.