12 سبتمبر 2025

تسجيل

سوء فهم سياسي

07 أبريل 2013

ابن خلدون في مقدمته أفاض في تشريح البنية الاجتماعية للعربي، وهي بنية ذات تداخل عميق مع نظيرتها العقلية والفكرية، وبغض النظر عن الانتهاء إلى الحالة الاجتماعية التي كانت تجذيرا لماهية العربي، فالمفارقة تبدو ماثلة بين ما ذهب إليه قديما وما ينتجه العقل العربي حديثا، ما يؤكد صدق النهايات والاستخلاصات المنطقية لما طرحه الرجل في كتابه الضخم. من خلال الواقع ومجرياته في أكثر من سياق ومسار، سواء كان سياسيا أو اقتصاديا أو ثقافيا أو اجتماعيا، نلمس فروقات أكبر مما يبدو في السطح من إظهار لضرورة العمل المشترك وأخوة الدم والعقيدة، وذلك نتاج عقل لا يستقيم مع مقتضيات التطور الحضاري وإدارة الدولة في نمطها الاجتماعي، وتقدم لنا حالة الثورات العربية نموذجا شاملا ومتكاملا لكيفية مواجهة تحدياتنا وتجاوز جسر السلامة السياسية. في تقديري كل مواطن هو بالضرورة سياسي، فالسياسية التي يشرّحها أرسطو طاليس تحتمل هذا المعنى المنطقي، لأن كل فعل يقوم به المواطن داخل مجتمعه أو وطنه ينعكس على القيمة الكلية للحراك السياسي الذي هو حزمة تحركات حيوية في الثقافة والمجتمع والعمل السياسي، ولكن أسوأ ما في السياسة العربية هو الفهم الرديء للديمقراطية ومقايستها بالفوضى، وليس بالضرورة أن تحصل الشعوب على نموذج ديمقراطية وستمنستر وإنما فهم الحدود الأخلاقية للحرية في الممارسة السياسية وذلك ما لم نفهمه، وهي الحقيقة التي يجب أن نفهمها جيدا. الشعوب العربية ليست مهيأة للديمقراطية، تلك حالة سياسية أكبر من إنتاج الفوضى والبلطجة والشبيحة والعصابات الإجرامية التي تتطفل على الديمقراطية والعمل السياسي، ولكي تطالب تلك الشعوب بالديمقراطية ينبغي أن تثبت حسن سيرة سياسية في فهمها للممارسة السياسية وأن الأوطان مقدمة على أي مكاسب وأن استقرارها نتيجة يجب الحصول عليها باحترام السلطة وعدم منازعتها في أمر يكتبه الله سبحانه وتعالى ويوليه من يشاء، وحين تغفل مثل هذه المعاني ويتم رميها في نفايات الليبرالية الهشّة، بالضرورة أن يصبح "المعلم زلطة" و"الأسطى سمكة" زعماء يقودون الشعوب إلى هاوية الديمقراطية والحق في الحرية الموهومة والزائفة، فلا حرية تنشر الفوضى في الدولة ولا ديمقراطية تؤسس لخراب السلطة وانهيارها، وفي الحالتين لا مرحبا بها، غير أنها للأسف حالة عربية خاصة وخالصة.