13 سبتمبر 2025

تسجيل

دروس الأزمة القبرصية ( 2 )

07 أبريل 2013

الآن وبعد أن انقشع بعض غبار الأزمة القبرصية، فإن عالم المال والأعمال والعديد من بلدان العالم واتحاداته الاقتصادية تقوم بتقييم الموقف والذي ربما يؤدي إلى إعادة صياغة مفهوم الاستثمار وضماناته وكذلك التوجهات الاستثمارية في الأسواق الدولية، وهذا بالضبط ما يهمنا في البلدان العربية والخليجية تحديدا، باعتبار أوروبا مركزا رئيسا للاستثمارات والودائع المعرضة للاستحواذ إذا ما عممت التجربة القبرصية على أكثر من بلد في منطقة اليورو. ما حدث هناك لم يكن أمرا سهلا يتعلق بإجراءات أوروبية لإنقاذ اقتصاد أحد بلدان منطقة اليورو من الإفلاس، وإنما إجراء يتعدى ذلك بكثير ويحمل العديد من المعاني والرسائل أوروبيا ودوليا، أولها أن الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو تحديدا سوف لن تتوانى عن اتخاذ أي إجراء لحماية اليورو، حتى وإن أدى ذلك إلى انقلاب في المفاهيم الأوروبية الخاصة بقدسية الملكية الفردية وحمايتها من المصادرة. وثانيا، فإن هذا الإجراء والخاص بالاستحواذ على الودائع يمكن أن يمتد ليشمل بلدانا أخرى، كاليونان وإسبانيا وإيطاليا والبرتغال، كما صرح الاتحاد الأوروبي الذي عاد وأكد اقتصاره على قبرص، مما أوجد حالة من الشك، إلا أن تأزم الأوضاع المالية هناك يمكن أن يقود إلى إجراءات مماثلة في البلدان الأربعة التي ذكرناها آنفا، حيث تذكر وكالة التصنيف الدولية "موديز" "أنه رغم أن إسبانيا وإيطاليا تظهران متانة حتى الآن، إلا أن المحللين يخشون من أن تزيد الفوضى في قبرص من انتشار الأزمة"، علما بأن الخطوة القبرصية سهلة وتؤدي إلى إنقاذ الاقتصادات الأوروبية المتهاوية بغض النظر عن نتائجها الكارثية على المودعين والتي تمثل للكثيرين منهم تحويشة العمر لضمان الحد الأدنى من مستوى المعيشة في سنوات التقاعد والشيخوخة. لذلك، فإنه يتوقع أن تتخذ بلدان العالم إجراءات احترازية جديدة لتفادي مصادرة ودائعها واستثماراتها في منطقة اليورو والتي ربما قد لا تقتصر على الودائع وإنما يمكن أن تشمل الاستثمارات الأخرى، كالعقار والأسهم وسندات الخزينة، وذلك ضمن سيناريوهات ليست بعيدة عن الواقع، ففي مجال الاستثمار العقاري يمكن أن يصدر تشريع يفرض نسبة كبيرة من الضرائب على الإيجار أو العائد السنوي أو في حالة البيع تقدر بأكثر من %80 مما يعني الاستحواذ من الناحية العملية، وهو ما قد ينطبق على الأسهم والسندات أيضا، إذ بعد الإجراء الذي اتخذ في قبرص لا يوجد ما هو مستحيل في قطاع الاستثمار الأوروبي. وبما أن أوروبا والولايات المتحدة تمثلان القوة الاقتصادية والعسكرية الأولى في العالم، فإن أحدا لا يستطيع الاعتراض حتى وإن كانت دولة عظمى ونووية، كروسيا التي فقدت عشرات المليارات من اليورو بسبب الأزمة القبرصية. وبالنتيجة، فإن الحديث لسنوات طويلة عن ملاذات آمنة لم يكن سوى كذبة كبرى بدليل ضياع أموال بلدان الربيع العربي، بما في ذلك تلك الموظفة في سويسرا والبلدان الغربية، وذلك رغم المحاولات المستميتة لاسترجاعها. يحدث ذلك في الوقت الذي تزداد فيه الفوائض النقدية لدى البلدان العربية المنتجة للنفط، وذلك بفضل أسعار النفط المرتفعة، حيث بلغ الفائض لدولة الكويت وحدها في الأشهر العشرة الأخيرة 51 مليار دولار بحاجة لاستيعابها في منافذ استثمارية لا يمكن أن تستوعبها الأسواق المحلية وحدها.