14 سبتمبر 2025
تسجيلكثيرون يعيشون في هذه الدنيا بلا أهداف واضحة تحدد لهم خطواتهم ومنهجهم في الحياة، خاصة إذا ما انتهى الإنسان من سلسلة الخطوات الاعتيادية التي يمر بها أغلب البشر حينما يولدون فيترعرعون ثم يكبرون فيدخلون المدرسة ليتعلموا ثم يواصلوا تعليمهم الجامعي ونحوه ثم يعملون في وظائف مختلفة، وقد ينفرط من عقد هذه السلسلة المتعارف عليها عدد كبير من الناس لم يواصلوا تعليمهم وقد ينفرط عدد أكبر من هذه السلسلة فلا تجده يدخل المدرسة من الأصل أو قد يدخلها فيخرج بعد حين بهدف اكتساب الرزق بسرعة أكبر وبجهد بدني وعضلي أكثر في مقابل جهد فكري وعقلي ضعيف بينما لو أكمل تعليمه فإنه سيكتسب المزيد من المال بجهد بدني وعضلي أقل في مقابل جهد فكري وعقلي كبير، وهذه سُنّة الحياة فمن يتعلم يَسود ويقود.. ومن يجهل يَتبع ويتعب. أعود لأقول بأن هذه السلسلة المعروفة في حياتنا والتي نمارسها بتلقائية شديدة تجعل منا نسخاً من بعضنا البعض فلا تكاد ترى متميّزاً إلا إذا فكّر في خارج إطار الدوائر المعروفة في الحياة والتي أصبحت تغلفها العادة أكثر من الإبداع والتجديد، ولهذا فإن أغلب الناس ممن أكملوا تعليمهم أو حتى لم يكملوا تعليمهم يتوقف عند العمل، فما يلبث أن يحصل على عمل أو يحظى بمصدر رزق ما فإنك تجده ينتهي إلى الفراغ الكبير الذي يجعل الإنسان في انتظار الخطوة التالية.. ألا وهي الموت. من المهم أن نجعل لنا أهدافاً في الحياة طوال مراحل حياتنا في هذه الدنيا، فليس من المعقول أن ينتظر الطفل متسائلاً: متى أكبر؟ حتى إذا كبر تساءل مرة أخرى: متى أعمل؟ حتى إذا عمل تساءل مرة أخرى: متى أتقاعد من العمل؟ حتى إذا تقاعد من العمل تساءل مرة أخرى وأخيرة: ماذا أفعل الآن؟ فيصبح الإنسان بذلك مضيّعاً على نفسه جميع مراحل حياته بانتظار المرحلة التالية من حياته دون أن يعيش مرحلته الحالية وأن يتفوق فيها وأن يحقق أهدافه في كل مرحلة منها. نسمع كثيراً أن الأجانب يخططون جيداً لما بعد مرحلة العمل أي التقاعد، فتجدهم يحسبونها جيداً ويخططون لها جيداً كذلك، ذلك لأنه يعرف متى سيُحال إلى التقاعد (لأنهم يعملون وفق قانون ويبرمجون أنفسهم وفق قوانين أخرى) فتجده يعرف كذلك كم هو المبلغ الذي سيحظى به بعد انتهاء فترة عمله وبناءً عليه يخطط كثيراً لتمضية بقية عمره معتمداً على هذا المصدر الجيد من الدخل المادي بالإضافة إلى وقت الفراغ الهائل الذي سيعاني منه طويلاً، فتجده يسافر ويرتحل ويتسلق الجبال ويقوم بجميع المغامرات التي لم يتمكن من فعلها طوال حياته، في إشارة منه بذلك أنه يريد أن يستمتع ببقية لحظات حياته قبل أن يغادر هذه الدنيا. ونحن في الإسلام لا ينبغي أن نكون على تلك الهيئة من انتظار المراحل فننتظر متى تحين مرحلة التقاعد والتفرغ كي نفعل ما بوسعنا وأن نلهو ونستمتع حتى تحين لحظة الوداع والفراق لهذه الدنيا، لأن الإسلام علّمنا بأننا مأمورون بأن " نعمل لدنيانا كأننا نعيش أبداً وأن نعمل لآخرتنا كأننا نموت غدا " وهذه هي المعادلة "السهلة الصعبة" التي ميّز بها الإسلام كل المنتمين إليه وخصّهم بتفوق لا مثيل له في الاستفادة من كل دقيقة بل وثانية في الحياة، لا أن ننتظر مرحلة تلو مرحلة خاصة أن عقيدتنا وإيماننا يؤكد لنا عدم معرفتنا وعِلمنا بساعة الصفر التي تُقبض فيها الروح وتنتهي فيها الحياة، فلكل أجلٍ كتاب لا يعلمه أحد إلا الخالق عز وجل الذي خلقنا وأوجدنا في هذه الحياة الدنيا في أوقات ومدد زمنية مختلفة ومتباينة، فليس شرطاً أنه من عاش طويلاً أن يحظى بالنهاية السعيدة في الآخرة، وليس شرطاً كذلك أنه من عمّر كثيراً في الإسلام أن يحظى بنهاية أفضل في الآخرة من ذلك الذي لم يعمّر كثيراً في الإسلام، فالتاريخ يشهد لنا بأمثلة ممن عاش كل حياته في الكفر والشرك ثم أسلم ولم يمكث طويلاً فقتل في سبيل الله بعد أيام أو ساعات من إسلامه، والتاريخ يشهد كذلك بمن عاشوا طيلة حياتهم مسلمين مؤمنين حتى إذا دنت لحظة وفاتهم ماتوا على عكس ذلك والعياذ بالله، وليست كثرة العمل الصالح بمعيار كذلك فرُبّ عالمٍ أو مجاهدٍ أو متصدقٍ هم أول من تُسعّر بهم النار وإنما المعيار هو الإخلاص لله في تلك العبادات الصالحة..فالكمُّ مطلوبٌ ولكن الكيفية أهمّ من الأرقام والأعداد ومعيار النجاح هو التخطيط الجيد لهذه الحياة وملؤها بأكثر وأكبر قدر ممكن من الأعمال الصالحة.. كل ذلك يحتاج إلى مزيدٍ من التخطيط والتفصيل.. في حياة المسلم.. قبل انتظار الموت كسائر البشر والمخلوقات.. وقبل أن نقول كذلك.. "يالله حسن الخاتمة".