01 نوفمبر 2025

تسجيل

الخصومة مع الأرحام

07 مارس 2019

جاء الإسلام الحنيفُ تحمل تشريعاته السمحة فيضًا من الخير لإصلاح كل جوانب حياة المسلم، ومن جوانب الخير التي اهتم بها الإسلام هي سمو الأخلاق وتهذيب السلوكيات بين المسلمين بعضهم بعضًا. فقد أمرنا الإسلام بمكارم الأخلاق، والإحسان إلى الناس، والابتعاد عن إيذائهم، وقد خصَّ الله عزَّ وجلَّ الأرحام ومنحهم منزلةً كبيرة؛ حيث أمر عزَّ وجلَّ بصلتهم والإحسان إليهم؛ وذلك لتوثيق علاقات الأخوَّة والترابط، ومن ثَم بقاء الأمة قويَّةً ومنيعةً على الأعداء. كما ذَكر القرآن الكريم كثيرًا من الأدلة التي توضح فضلَ ومنزلةَ مَن يصل رحمه؛ فيفوز بالأجر والثواب والجزاء الحسن في الدنيا والآخرة؛ مكافأةً له على صنيعه، وجعل الإسلام صلة الرَّحِم من مكارم الأخلاق التي يتصف بها صاحب الخُلُق الرفيع. وكذلك شدَّد الإسلام على حُرمة القطيعة، وتوعَّد اللهُ تعالى قاطعَ الرحم بوعيدٍ شديدٍ يوم القيامة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: " إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ، قَالَتِ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَهُوَ لَكِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}" رواه البخاري في صحيحه. فقد عطف الله تعالى قطيعة الرحم على الإفساد في الأرض بما فيه من إهلاكٍ للحرث والنسل والدمار والخراب؛ ليؤكد لنا سبحانه شدة الحرمة في قطيعة الأرحام لأنها تُدمِّر وتُهلِك صاحبَها. ومن الظواهر المخيفة في مجتمعات المسلمين اليوم -للأسف الشديد- هي ظاهرة الخصومة بين الأرحام، بل تصل الخصومات أحيانا إلى حد القطيعة، وهذا أمر خطير ونذير شؤم على أهله والقائمين به!! •أسباب الخصومة بين الأرحام: من أهم هذه الأسباب عدم مراعاة العدل بين الأبناء في العطايا والمِنَح، فالأب يعطي بعض أبنائه مالًا أو عملًا مميزًا ولا يعطي أخاه مثله؛ فيزرع هذا التصرُّفُ الحقدَ والضغينةَ بين الاخوة، وتظلُّ الشحناء في النفوس، ويوَرِّثونها لأبنائهم، وتظل الأجيال مستمرة في الخصومة دون ذنب أو جُرم اقترفوه. ومن الأسباب أيضًا المنازعات في قضايا المواريث، والصراع على الدنيا دائمًا أساس كل بلاء ونقمة، فنجد إخوةً وأعمامًا وأرحامًا وأصهارًا يقفون أمام بعضهم بعضًا في المحاكم لتفصل بينهم في مشاكلهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله!! ومن أسباب الخصومة الحسد في بعض الأحيان؛ فيحسد الأخ أخاه على نعمة أعطاه الله إياها، سواء كانت تجارةً ناجحةً، أو وظيفةً مرموقةً، ونحو ذلك من الأشياء، هناك طرف في العائلة يحسد الطرف الآخر! وفي الحقيقة لا مجال للحسد، فهذه قسمة الله بين عباده، {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} [الزخرف: 32]. وأسباب الخصومة متعددة، منها: الشراكة في الأعمال والمشروعات، ثم الاختلاف بعد ذلك على بعض الأمور. وقد تكون الخصومات بين الأرحام مبنيَّة على أشياء تافهة كمشاغبات الصغار أو مناقشات زوجات الإخوة أو عدم دعوتهم في مناسبةٍ ما، وغيرها من الأمور التي يصعب حصرها مع صِغَر حجمها، والتي لا ينبغي الالتفات إليها أو تضخيمها لتصير خصومةً وخلافًا بين الأرحام. فلا بد من الحذر من الانسياق وراء خطوات الشيطان التي توغر الصدور وتبثُّ الفُرقة والاختلاف بين الأرحام. •اللهم ألّف بين قلوب المسلمين وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام وطهِّر قلوبنا، وبارك اللهم في أرحامنا وأهلينا وذرياتنا وألِّف بيننا، واجمع كلمتنا على الحق والدين القويم، واجمعنا على الخير دائمًا يا رب العالمين. [email protected]