07 نوفمبر 2025
تسجيللن يكون أمامي وقت للراحة في هذه الواحة.. هذا ما قلته لنفسي، حتى من قبل أن تبدأ زيارتي لواحة سيوة، لأني لست سائحا أجنبيا، بحب استكشاف ما قرأ عنه دون أن يكون قد رآه مرأى العين، ولست سائحا يود أن يستريح ويستجم لبعض الوقت، فقد كان ما يشغلني أبعد من مجرد الاستكشاف، وأبعد ما يكون عن الرغبة في الاستجمام، وباختصار فإني كنت أريد التوصل للإجابة على السؤال الذي طرحته على ضوء ما كنت قرأته أو سمعته وشاهدته، والسؤال هو: هل هناك قنابل موقوتة في واحة سيوة، أم أن في الأمر مبالغات وشطحات؟! لو عدنا للتاريخ القديم، لا بد أن نتذكر أن الواحة، أية واحة، تمثل مكانا آمنا، تستريح فيه القوافل المسافرة من مكان إلى سواه عبر الصحراء، ولو عدنا إلى لغة المجاز والاستعارة، فإننا نجد أن العاشق المتيم يلذ له أن يصف حبيبته، قائلا عنها إنها واحة للأمان وللراحة وسط صحراء الحياة التي يحياها، لكننا لو عدنا إلى تاريخ واحة سيوة على وجه التحديد، فلا بد أن نستعيد حكاية جيش الملك الفارسي قمبيز والذي هبت عليه بالقرب من هذه الواحة عواصف رملية عاتية، غاص على إثرها نحو خمسين ألف مقاتل - هم كل أفراد ذلك الجيش- في الرمال الناعمة التي ابتلعتهم جميعا، دون أن يعثر لهم على أثر، وكأنهم ما كانوا، وبعيدا عن أولئك الذين اختفوا من الوجود تماما، لا بد أن نتذكر أن الإسكندر الأكبر قد وصل سنة 331 قبل الميلاد إلى واحة سيوة، لكي يباركه الكهنة الفراعنة، وهذا ما تحقق له وقتها، ويستطيع زوار سيوة أن يزوروا المعبد المعروف باسم معبد الوحي، وهو المعبد الذي تمت فيه طقوس مباركة الإسكندر الأكبر. ولو ابتعدنا عن التاريخ القديم، وعن لغة المجاز والاستعارة، لكي أتحدث- بشكل مباشر- عن هذه الواحة التي لم يكن لي فيها متسع للراحة، فلا بد من الإشارة أولا إلى القافلة التي كنت فردا من أفرادها، والواقع أنها لم تكن قافلة بمعنى الكلمة، لأنها كانت مؤلفة من ثلاثة أفراد لا أكثر، هم حادي القافلة ودليلها الصادق- الصديق الدكتور شوقي حبيب الذي يتعامل معه أهل سيوة كأنه واحد منهم كما ذكرت من قبل، والصديق صبحي عبد العال الذي يحب التأملات الميتافيزيقية الهادئة، ويتصور أن بإمكانه أن يتوصل لصيغة حياة مثالية، يكون فيها الإنسان أخا- بمعنى الكلمة- لأخيه الإنسان، أما أنا فكنت أحاول التعرف على سر الأوبئة التي تجعل الإنسان عدوا للإنسان، سواء في نطاق المجتمع الصغير، أو في إطار الحساسيات والحزازات بين الأطياف المتنوعة في كل مجتمع، أو على مستوى الصراع الإنساني الشامل، ومن هنا استطاع الدكتور شوقي حبيب أن يستمتع بالسهرات الجميلة مع من يعتبرونه واحدا منهم، واستطاع صبحي عبد العال أن يجد السكينة حينما كان يستلقي أو يتمدد تحت ظلال النخيل والزيتون، بينما ظل القلق يلازمني كأنه ظلي الذي لا أستطيع الفرار منه! خمسة وعشرون ألف مصري، ممن ينتسبون إلى الأمازيغ، ويتكلمون اللغة الأمازيغية التي يسمونها اللغة السيوية هم أهل سيوة، ويضاف إليهم – كما عرفت- خمسة آلاف مصري، ممن قدموا للعمل من مختلف محافظات مصر، وإذا كانت سيوة تبعد عن القاهرة بنحو 850 كيلو مترا، فإنها لا تبعد عن الحدود المصرية- الليبية إلا بنحو خمسين كيلو مترا لا أكثر، ولهذا تظل هذه الواحة محطة أولى لتهريب السلاح من ليبيا إلى مصر، وقد أكد لي من التقيت معهم أن مهربي السلاح يقومون بأعمال انتقامية ضد أهل الواحة حين يتصدون لمحاولاتهم الإجرامية، كما أكد هؤلاء لي أن انتماءهم إلى مصر- الوطن هو انتماء عميق لا يتزعزع، رغم أن السلطات الأمنية تتشكك فيهم أحيانا، نتيجة لعلاقاتهم مع الأمازيغ الآخرين في كل من ليبيا وتونس والجزائر والمغرب، وعلى أي حال فإن عشاق التاريخ من أمثالي يدركون أن أول دراسة دقيقة عن الأمازيغ أو البربر تتمثل في الفصول التي كتبها العلامة عبد الرحمن ابن خلدون في كتابه الشهير الذي سماه: كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، أما الدراسات التالية التي كتبها كثيرون من الباحثين الأجانب والعرب والأمازيغ فإنها بطبيعة الحال لا تتسم بالموضوعية، نظرا لغلبة الأهواء المتباينة التي تصل إلى درجات عالية من التناقض والتعارض بين هؤلاء الباحثين، ومن هذا المنطلق لا بد من التوقف- فيما بعد- عند ابن خلدون ومن جاءوا من بعده.