14 سبتمبر 2025
تسجيلكانوا في منتهى الحنان.. وجوه ترى في ملامحها النور الذي بات مفقوداً في كثير من الوجوه!.. ورؤوس اشتعلت شيباً وظهور منحنية وأقدام عاجزة ونظرات تائهة وأيد ترفع إلى السماء فتتمتم الشفاه بما يجول بخاطر صاحبها.. هؤلاء هم شيوخنا الكبار الساكنون في المؤسسة القطرية لرعاية المسنين هنا بالدوحة.. هؤلاء الذين نسيهم أبناؤهم وغفلت عنهم الدنيا، فلم تمنح لهم من اهتمامها شيئاً..أولئك الذين تجثو الجنة تحت أقدامهم ونرى طاعتهم جهاداً ومحبتهم أجراً.. ولكن وليت حرف الاستدراك يغيب عني قليلاً.. كيف نحن مع آبائنا؟!.. كيف كان رد الجميل إليهم؟!.. ترى كم منا (رمى) والديه في دار العجزة ونسي.. نسى أنه كان في يوم من الأيام جنيناً حمله بطن حنون داف حميم تحفه المحبة لتلك النطفة الغالية في أحشائها.. نسي أنه كان طفلاً يلعب فتراقبه عين لا تنام إلا بعد أن يغمض عينيه في حضن صاحبتها ويأكل قبل أن يأكل والداه، كيف لا وهو الطفل الغالي الحبيب قرة أعين والديه؟!.. كان يلهو وقبل أن تغافله سقطة ما كانت ذراع والدته أسبق إليه من الأرض فتضمه تهدئ من روعه.. تناسى لعبه مع والده في الليالي الطويلة وإعطاءه من حنانه ورعايته وماله الشئ الذي لا تستطيع الكلمات أن تفي به.. نسي كل ذلك واليوم ينكر ما قدم والداه له.. كبر وكبر شأنه معه فلم تعد (العجوز) أمه مهمة له ولا (الشيبة) أبوه يعد شيئاً في حياته!.. ظن أنه بدونهما سيكبر وسيحقق ما يريده.. وغفل عن برهما والاهتمام بهما وأحبا يوماً أن يلتفت لهما وألحا عليه.. يا ولدنا إن لنا حقاً لديك ونريده.. نريد وجهك لنراه ونقبّـله.. نريد حضنك ليخفف من ارتجاف أوصالنا الهرمة.. نريد صوتك يعزف على أوتار حرماننا ما فقدته منذ ان كبرت وعلا شأنك!.. لا تنسنا فإننا لم ننسك!.. ومع ذلك كان جزاؤهما دار المسنين ليجدا في الجدران الصماء ضالتهما وفي أقرانهما (الونيس الوفي) الذي يفتقدانه فيه.. ونسيت..نسيت يا هذا أن لك أماً تدعو الله في ردهات الليل المظلمة أن تلقى وجهك قبل ان تلقى وجه ربها الكريم.. نسيت أن لك اباً ينظر بحرقة إلى كتفيه العاريتين الباردتين ويحلم أن تربت كفك الدافئة عليهما فتخفف من وحشتهما ولكن استعظمت عليهما أن يريا أحلامهما واقعاً وانجرفت وراء عائلتك الكبيرة ومشاغل الدنيا — هكذا يبررون تقصيرهم — ولم يعد لك أب أو أم إلا حين تطرح شركة أو بنك أسهماً وتأتي (لتسرق) فرحتهما بفرحة آثمة مخادعة وبعدها تغيب كما تغيب الشمس عن جنوب وشمال الكرة الأرضية سنين ولا تشرق إلا بظهور أسهم جديدة!!.. ويلك.. ما الذي تفعله وفعلته.. أبوك وأمك.. جنتك ونارك.. برأيك هل ترى في ولدك شيئاً منك؟!.. أنظر جيداً ودقق أكثر فهو يملك طفولة حلوة مثل طفولتك لكنك بالتأكيد تملك مستقبلاً مثل والديك!!. فاصلة أخيرة: أبي وأمي.. أطال الله في عمريكما وأبقاكما تاجاً فوق رأسي الذي إن انحنى لغير الله فإنه سينحني بالتأكيد ليقبّل أيديكما الطاهرة وأقدامكما الغالية.. ويحي إن نسيت جمائلكما وويحي أكبر وأكثر إن كنت مثل صاحبنا أعلاه فوالله لقتلي وحرقي أهون من رؤية دموعكما وهي تتخلل تجاعيد وجوهكما العميقة وتسقط على أرض قد تدوسها قدماي سهواً.. فلا أغفر لهما زلتهما إلا حين بترهما!!