18 سبتمبر 2025

تسجيل

الهمة العالية

07 فبراير 2014

ما أجمل أن يحس المسلم أنه مطيع لربه منفذا لسنة نبيه، يسير على طريق الهدى يسعى نحو الجنة ويخشى النار يعلم أنه سيقف بين يدي جبار السموات يحاسبه على ما فعل في الدنيا وما صدر منه من قول وعمل، فيا سعادة من يأخذ كتابه بيمينه، ويا تعاسة من يأخذ كتابه بيساره, فليعلم كل عاقل أن طاعةالله تعالى هي الأصل الذي جاءت به الشرائع السماوية جمعاء ودعت إليه كل الديانات السماوية على لسان الرسل والأنبياء الذين بعثهم الله عز وجل، منقذين للبشرية من الظلمات إلى النور, فإن جميع الرسل والأنبياء جاءت دعوتهم متفقة على مبدأ واحد وأصل ثابت وهو الدعوة إلى الإيمان بالله عز وجل، الواحد القهار, ووضعت لذلك أسس وشرائع من عبادات ومعاملات تقوم عليها سعاة البشرية, فبهذا الإيمان تستطيع هذه البشرية التي استخلفها الله تعالى في الأرض أن أن تعيش في سعادة وأمان ويتحقق لها الرخاء والطمأنينة, فإن بناء الرجال الذين تفخر بهم الأمة يقوم في حقيقته على الاهتمام ببناء النفس والعقل, فإن استشعار المؤمن أن الجنة محفوفة بالمكاره يتطلب منه همة عالية تتناسب مع ذلك المطلب العالي للتغلب على نفسه وملذاتها، مع تنقية تلك الهمم من كل شائبة تجره إلى الفتنة والمعصية، وإنما تفاوت الناس بالهِمم لا بالصور والله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم,وحتى يصل الإنسان إلى هذه المرتبة فإن عليه أن يعمل على استقامة صلته بنفسه وبالله وبالناس وبالعالم الذي يعيش فيه, الأمر الذي يؤدي إلى أن يصبح بحق جديرا بأن يكون وكيلا عن الله في الأرض يقيم فيها موازين العدل, ويرسي دعائم الحق, ويزرع الخير الذي تعود ثمرته على الآخرين. وهذا ما ينبغي على هذا الوكيل أن يفعله إلى آخر نفس في حياته وإلى يوم القيامة, كما ورد في جميع الشرائع السماوية التي حثت على فعل الخير والبعد عن كل شر والعمل على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بما يحقق للإنسان البقاء وللأرض الإعمار والصلاح وللبشرية الأمان.فإن المسلم الصادق التقي الخلوق مهذب دمث مرهف الشعور لا يصدر عنه فعل قبيح يؤذي به الناس, بل تجده يحرص أشد الحرص على التحلي بحسن الخلق ونفع الناس وأن يكون كالنخلة التي يرميها الناس بالحجارة فترميهم بالثمار, لذلك تجده دائما يزن الأمور بميزان الأخلاق والإيمان, ولا يقصرفي حق أحد, فإن الناس مختلفون في بناء أنفسهم وتأسيسها وتربيتها اختلافا بينا، يظهر ذلك جليا في اختلافهم في استقبال المحن والمنح، والإغراء والتحذير والنعم والنقَم والترغيب والترهيب، والفقر والغنى فمنهم سابق للخيرات وهو من أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان فربى نفسه على الطاعةوالقرب وأدبها في البعد عن المعاصي والملذات, فهذا لا تضره فتنة ولا تزعزعه شبهة ولا تغلبه شهوة، صامدا كالطود الشامخ، فهم الحياة نعمة ونقمة يسرا وعسرا، ثم اجتهد في التوازن بين هذا وذاك لأنه علم أن كل شيء بقدر وأن مع العسر يسر فضبط نفسه في الحالين, فلم يحزن على ما فات ولم يفرح بما هو آت, فتجده راضي النفس مطمئن الفؤاد هذا هو السابق إلى الخيرات ذو قيم ومبادئ كريم النفس صافي القلب، ولكن هذا الصنف قليل وما ضره أنه قليل لأنه هو العزيز والسر في عزته الإيمان، الذي إذا خالطت بشاشته القلوب ثبت صاحبه واطمأن وضرب بجذوره فلا تزعزعه المحن، ولا تؤثر فيه الفتن بل يزرع الخير ويجني الفوائد، لأنه يعلم أن ربط البواعث الخلقية بالإيمان بالله تعالى, هي التي تميز الإنسان المسلم عن غيره, فيتحلىبالإخلاص العميق لله تعالى وبثبات هذه الأخلاق وديمومتها فيه, مهما تقلبت الأيام, وتغيرت الأحوال, ذلك أنها صادرة عن وجدان حي مرهف يستحي من الخلق السيئ ويجتنبه, ويعلم أن الله عز وجل مطلع على الخفي من الأسرار فيستحي منه, قبل حيائه من الناس المطلعين على الظاهر من أخباره.. وهذاالحياء من الله هو مفرق الطريق بين أخلاق المسلم وأخلاق غير المسلم, فلا تكن سلبيا معه وتقول لنفسك إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت.. ولكن لابد أن تكون لك وقفة مع نفسك, وتأخذك الحسرة على ذنوبك وتبكي عليها ليلك نهارك، وتصحبك موجات من الندم وتبيت ليلك تتأوه حزنا وألما علىذنبك وتتضرع إلى الحكيم الخبير وتسارع إليه بالتوبة قبل فوات الأوان, ولا تجعل هذه النشوة المؤقتة تذهب بك إلى منزلق خطير وتطيش بك إلى منحدر سحيق حيث التمرغ بأوحال الخطايا والآثام فتنسيك نفسك وتفسد عليك أمرك وتكون من أصحاب قول الله تعالى (ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهمأولئك هم الفاسقون) الحشر 19 , فمهما كانت الذنوب عظيمة فإن الله يغفرها جميعا ما لم يشرك به فإن الحسنات يذهبن السيئات.