22 سبتمبر 2025
تسجيلمنذ اليوم الأول للثورة المصرية دخلت مصر في أتون فوضى أمنية غير مسبوقة، بدأت مع انسحاب قوات الأمن بعد انكسارها أمام الحشود الغاضبة يوم 28 يناير، ثم إخراج المساجين وتفعيل دور البلطجية الذين يعتبرهم النظام السابق جزءا من منظومته الأمنية التي لطالما استخدمها ضد خصومه سواء لتزوير الانتخابات أو لتأديب خصومه. وبعد أن كانت هذه الفوضى الأمنية تأخذ أشكالا بدائية غير منظمة في الأيام الأولى للثورة، تحولت إلى الشكل الممنهج بعد تنحي الرئيس المخلوع وتولي المجلس العسكري قيادة البلاد في الفترة الانتقالية. وقد تفاقمت الأمور بشكل كبير مع دخول بعض الأجهزة الأمنية التي لم يستطع المجلس العسكري السيطرة عليها بشكل كامل إلى المسرح ومحاولة التأثير في تطورات الأمور، خاصة أن هذه الأجهزة لا يزال ولاؤها لقادتها السابقين رغم خروجهم من السلطة. بدأت الأحداث الأمنية تأخذ منحاها الجديد مع انطلاق جيش البلطجية، التابع لوزارة الداخلية المصرية والذي تفرق بعد ذلك بين بعض الأجهزة الأمنية الأخرى فضلا عن قيام بعض قادة هذا الجيش للعمل لحسابهم الشخصي بشكل مباشر، في ترويع المجتمع المصري، في محاولة لوقف تطور الثورة والطريق الذي سلكته نحو تأسيس نظام جديد يكون مقدمة لمجتمع ديمقراطي حقيقي. ولم تضع هذه المخططات أي خطوط حمراء حيث وصلت إلى كافة مفاصل المجتمع الحساسة، خاصة ما يتصل منها بالفتنة بين مكوناته الدينية وكذلك السياسية والاجتماعية من أجل ممارسة مزيد من الضغوط عليه ودفعه للكفر بالثورة والديمقراطية. بعد ذلك بدأت مرحلة جديدة من مخططات الفوضى الأمنية تقوم على استغلال المظالم التاريخية للشعب المصري من خلال دفعه إلى القيام باحتجاجات فئوية من أجل القضاء على هذه المظالم، لكن دون الأخذ في الاعتبار المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد، خاصة في مجالها الاقتصادي المنهار بفعل السياسات الاقتصادية للنظام السابق، ثم جاءت الثورة وتوقفت عجلة الإنتاج لتزيد الأمر سوءا. بعدها بدأت مرحلة أخرى تقوم على استغلال الانشقاقات التي وقعت بين القوى السياسية على كيفية عبور المرحلة الانتقالية بين من ينادون بوضع الدستور أولا قبل إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية وبين من ينادون بإجراء هذه الانتخابات قبل وضع الدستور وفقا للتعديلات الدستورية التي وافق عليها الشعب يوم 19 مارس. وكان في أحيان كثيرة يسقط قتلى وجرحى جراء هذا الصدام السياسي بيد البلطجية، الأمر الذي زاد من اشتعال هذا الخلاف أكثر خاصة بعد أن اعتبر البعض أن المجلس العسكري هو المسؤول عن هذه الأحداث. وقد تزايدت الاتهامات الموجهة للمجلس العسكري مع تزايد الحوادث التي سقط فيها الشهداء، خاصة في الشهور الأخيرة، حيث شاركت الشرطة العسكرية في قتل هؤلاء الشهداء أثناء محاولتها فض الاعتصامات والاحتجاجات التي كانوا يقومون بها للمطالبة بإنهاء حكم العسكر والتسريع بعملية نقل السلطة للمدنيين. ودائما ما كان المجلس العسكري يذكر الثوار والشعب بأنه من حمى الثورة وكان قادرا على وأدها كما حدث في بعض الدول العربية، إلا إنه آثر الانضمام إلى الشعب وحماية ثورته في مواجهة النظام القديم. وهو ما يعني أنه من غير المنطقي أن يقوم الآن بقتل المتظاهرين بعد نجاح الثورة. ويبدو أن المجلس العسكري صادق في جزء من حجته، خاصة ما يتعلق بحمايته للثورة ليس عن طريق امتناعه عن مواجهتها لكن عن طريق اتخاذ جانب الحياد حتى تتضح الصورة، فإن استطاع النظام مواجهتها والقضاء عليها كان سيقف إلى جانبه وإن حدث العكس فكان سيعلن وقوفه إلى جانب الشعب، وهو ما حدث بالفعل. لكن بعد ذلك، حاول المجلس إدارة الفترة الانتقالية بشكل يحقق له الهدف الذي من أجله وقف إلى جانب الثورة وهو ضمان نصيبه في السلطة الجديدة من أجل حماية المكاسب التي حققها طوال الستين عاما الماضية منذ ثورة 1952. وقامت إدارته على أساس ما يمكن تسميته (لعبة الفوضى المنظمة) التي تقوم على استغلال أحداث العنف التي يعرف بعض أبعادها مسبقا قبل وقوعها مع امتلاك القدرة على ضبطها في الوقت المناسب من أجل إيصال رسائل للقوى السياسية وللمجتمع في آن واحد. رسالة القوى السياسية تتعلق بأن ضمان نصيبه في السلطة الجديدة هو السبيل للاستمرار في طريق التحول الديمقراطي بقدر أقل من المشاكل. أما رسالته للمجتمع فتشير إلى أنه الوحيد القادر على ضبط الأمن وهو ما يعني تعزيز موقفه في مواجهة القوى السياسية. وفي إطار هذه اللعبة شهد المجتمع المصري الأحداث الأمنية المختلفة وآخرها أحداث بورسعيد التي قتل فيها أكثر من سبعين شخصا فضلا عن جرح المئات. والذي لن يكون الحادث الأخير طالما أن المجلس العسكري لم يحصل على ما يريد أو بعضا منه.