14 سبتمبر 2025
تسجيلهذا العنوان هو حصيلة مناقشة ثرية عبر الهاتف بيني وبين صديق عزيز مافتئ على مدى الأيام القليلة الماضية يتصل بي للاطمئنان علي وعلى أسرتي وعلى الأوضاع في مصر التي ينظر لها بتقدير شديد على مستوى المكانة والموقع والدور حالما مثلي بأن تعود المحروسة إلى سابق عهدها دولة محورية قوية في داخلها مؤثرة في محيطها الإقليمي. وبالفعل فإن مصر دخلت حقبة مغايرة عما كانت عليه قبل الخامس والعشرين من يناير2011 وهو أمر يقر به القادة الجدد في النظام وعلى رأسهم عمر سليمان نائب الرئيس وأحمد شفيق رئيس الوزراء وكلاهما إفراز لثورة الشباب المدهشة في هذا اليوم الفاصل في تاريخ المحروسة بكل المقاييس. ورغم أنني لم أشارك في هذه الثورة ميدانيا إلا أنني كنت معها بالقلب والعقل ولعل مقالاتي في هذا المكان شاهدة على أنني كنت من المطالبين بضرورة التغيير في مصر والعودة إلى مربع العدالة الاجتماعية وتكريس التعددية السياسية الحقيقية وتجاوز حالة حرية الصراخ والتنفيس التي كانت سائدة في السنوات الأخيرة والتي بلغ خلالها الحراك السياسي درجة متقدمة إلا أنه لم يتجاوز حدود الخطاب إلى دائرة الفعل وهو ما أسهم في توسيع حالة الاحتقان التي قادت إلى تفجير ثورة الخامس والعشرين من يناير ولعل ثمة من يتذكر مقالا لي بعنوان التغيير الآمن في مصر بتاريخ الخامس والعشرين من شهر أكتوبر المنصرم ودعوت فيه- اعتمادا على رؤى عدد من النخب الفكرية والسياسية- إلى هذا التغيير الذي كان يمكن أن يقوده الرئيس حسني مبارك بنفسه ولكن يبدو أن هؤلاء النفر ممن أطلقوا على أنفسهم أصحاب الفكر الجديد كان صوتهم هو الأعلى فظلت الأحوال دون أي خطة باتجاه التغيير الآمن بل إن نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في شهر نوفمبر الماضي أسهمت في المزيد من انسداد الأفق السياسي فوسعت الهوة بين مبارك رأس النظام من جهة والنخب السياسية والوطنية من جهة أخرى خاصة مع غياب أي معارضة حقيقية في البرلمان الجديد وبدا واضحا أن مزوري هذه الانتخابات يعيشون في حالة نشوة أو قل تشفى في هذا الغياب. ورغم أن ثمة من يحاول تشويه ثورة الخامس والعشرين من يناير خاصة فيما يتعلق بركوب قوى سياسية بعضها محظور قانونيا لموجتها - وهو أمر لا يشكل في منظوري مصدرا للقلق منها بحسبان هذه القوى جزء من الشعب المصري - إلا أنها فرضت جملة من المعطيات والتحولات التي ستؤثر على مسار تاريخ مصر الراهن والقادم باعتبارها جسدت رؤى وأحلام الشعب المصري بكل طوائفه وفئاته وشرائحه ويمكن بلورتها على النحو التالي: أولا: إنهاء مشروع توريث السلطة العليا في البلاد وللأبد خاصة أنه شكل في حد ذاته - رغم النفي المتكرر له من قبل الرئيس مبارك ونجله جمال - واحدا من أهم العوامل التي دفعت إلى ثورة الشباب وقد جاء القرار الذي صدر أمس الأول بإقصاء جمال مبارك من موقعه كأمين عام مساعد للحزب الوطني وأمين لجنة السياسات صاحبة النفوذ السياسي الواسع به مؤشرا واضحا على نهاية حلم التوريث الذي ظلت دوائر عديدة داخل الحزب الحاكم والحلقة الضيقة المحيطة بالقيادة السياسة تروج وكان تعيين عمر سليمان الرجل القوى في مصر نائبا للرئيس بداية التوجه نحو إنهاء هذا المشروع. ثانيا: سقوط تحالف السلطة والثروة في المعادلة السياسية التي كانت تسود المشهد المصري خلال السنوات العشر الأخيرة بكل ما تمثله من رموز تم أبعادها من التشكيل الحكومي الجديد الذي جاء على رأسه رجل ينتمي إلى مدرسة الانضباط والفعل والنزاهة وهو الفريق أحمد شفيق قائد القوات الجوية الأسبق ووزير الطيران في الحكومة الأخيرة والذي حقق في هذا الموقع نقلة نوعية على صعيد إدخال مصر العصر من حيث منظومة المطارات والخدمات الجوية ونقل مصر للطيران إلى مواقع متقدمة إقليميا وعالميا. وأظن أنه بذلك قد تم قطع علاقة التشكيل الحكومي مع منظومة رجال الأعمال التي أسهمت في إفساد الحياة السياسية والاقتصادية معا خاصة في ظل غياب رقابة قوية كان من الواجب أن تحول دون خلط أدائهم الوزاري بمؤسساتهم الخاصة بل إن معظم قضايا الفساد الكبرى مرتبطة بوجود هذه النوعية من رجال الأعمال في الحكومة غير أن الضربة القوية لرموز هذا التحالف تمثلت في إبعاد أحمد عز صاحب أكبر احتكارات الحديد في مصر وربما المنطقة العربية من موقع أمين التنظيم بالحزب الحاكم ومنعه مع عدد من الوزراء من التحالف ذاته من السفر وتجميد حساباتهم الأمر الذي يمهد للتحقيق معهم من قبل النيابة خاصة أن بلاغات عدة قدمت ضدهم إلى النائب العام في وقائع فساد متورطين فيها. ثالثا: بناء منظومة أمنية مغايرة لما كان سائدا في المحروسة تقوم على الموازنة بين الأمن السياسي والأمن الاجتماعي دون أن يطغى جانب على الآخر مثلما كان يحدث على مدى العقدين الأخيرين من هيمنة البعد السياسي على هذه المنظومة على نحو وجه طاقة المؤسسة الأمنية إلى ما يطلق عليه حماية النظام والنخبة الحاكمة خصما من رصيد البعد الاجتماعي وهو ما أفرز سلسلة من الظواهر السلبية في مقدمتها غياب هيبة الدولة والقانون ووقوع الشارع المصري تحت سيطرة من يطلق عليهم بالبلطجية والخارجين على القانون. وإذا كانت هذه التحولات أو المعطيات الشديدة الأهمية التي أسفرت عنها ثورة الخامس والعشرين فإنه من الأهمية بمكان السعي إلى الحصول على مكاسب أضافية دون الوقوف عند بعض الجوانب التي يمكن أن تعطل أهداف الثورة خاصة تمسك نفر من القائمين عليها بمطلب تنحى الرئيس حسنى مبارك والذي دخل بالفعل منطقة الفعل بعد إعلانه في خطابه يوم الثلاثاء الماضي عدم ترشحه لفترة رئاسية جديدة وأجراء تعديلات جوهرية تنظم الشروط التي يتعين توافرها في المرشح للرئاسة على نحو يتجاوز التعقيدات التي تضمنتها المادة 76 من الدستور فضلا عن تحديد الرئاسة بمدتين فقط بما يلغى النص على أبدية المنصب وفق ما كانت تنص عليه المادة 77 وكلتاهما مرشحتان بقوة للتعديل. دعونا نتجاوز هذه المسألة لأسباب تتعلق بمعادل القوة الذي يتكئ عليه مبارك وهو المؤسسة العسكرية والتي أعلنت انحيازها له بل أكدت للإدارة الأمريكية نفسها أنها لن تتخلى عنه ولن تسمح بإهانته باعتباره أحد رموزها فضلا عن أسباب إنسانية وتاريخية وحضارية تتقاطع مع الأدوار التي لعبها خاصة قبل أن تحيط به مجموعة الفكر الجديد بقيادة نجله جمال والتي أضرت به بدلا من أن تشكل قيمة مضافة لنظامه ويبدو أنه كان شديد الثقة بهؤلاء النفر والذي حظي بالإسناد من قبل أركان مهمة في هرم السلطة بيد أنهم للأسف استغلوا هذه الثقة على نحو يحقق مصالحهم ويكرس نفوذهم السياسي والاقتصادي ويكفي أن مبارك استوعب الدرس حتى ولو كان متأخرا فهو الوحيد الذي كاد يدفع الثمن من تاريخه السياسي والعسكري فضلا عن الضغوط الخارجية خاصة من الحلفاء والشركاء الدوليين وفي مقدمتهم الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي. على أي حال لننتظر الأشهر الست المقبلة فهي لن تؤثر على مسار ثورة شباب مصر التي أضحت رقما شديد الصعوبة ليس بالإمكان تجاوزه أو الالتفات عليه أو المناورة لإسقاط أهدافها التي تقاطعت مع شعب ظل يحلم بموقع قدم في دنيا الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. السطر الأخير: أشرع أبوابي أفتح نافذتي أتكون في رحمك ثورة أفرد أِشرعة العشق أكتبك أغنيتي الأبدية مصر الحرة