31 أكتوبر 2025

تسجيل

استقامة اللسان

07 يناير 2016

لقد مَنَّ الخالقُ سبحانه وتعالى على عباده بنعمة البيان، فهي من أجلِّ النعم التي أسبغها الله على الإنسان وكرَّمه بها على سائر الخلق، يقول الله تعالى:(الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان) الرحمن :1-4، فعلى قدر جلال النعمة يعظم حقها ويستوجب شكرها ويستنكر كفرها، وقد بيَّن الإسلام كيف يستفيد الناس من هذه النعمة المسداة وكيف يجعلون كلامهم الذي يتردد على ألسنتهم طريقا إلى الخير المنشود، فإن أكثر الناس لا ينقطع لهم كلام ولا تهدأ لألسنتهم حركة، فإذا ذهبت تحصي ما قالوا وجدت أكثره لغوا ضائعا أو هدرا ضارا، فضرر هؤلاء أقرب من نفعهم وما لهذا ركب الله الألسنة في الأفواه ولا بهذا تقدر الموهبة المستفادة، اعتنى الإسلام عناية كبيرة بموضوع الكلام وأسلوب أدائه؛ لأن الكلام الصادر عن إنسان ما يشير إلى حقيقة عقله وطبيعة خلقه، ولأن طرائق الحديث في جماعة ما تحكم على مستواهم العام ومدى تغلغل الفضيلة في بيئتهم وانتشار القيم بينهم، فإذا تكلم المرء فليقل خيرا وليعوِّدْ لسانه الجميل من القول؛ فإن التعبير أحسن عما يجول في النفس من أدب عال، والكلام الطيب الجميل له ثماره الحلوة، فإما أن يكون مع الأصدقاء فهو يحفظ مودتهم ويستديم صداقتهم ويمنع كيد الشيطان أن يوهي حبالهم ويفسد ذات بينهم.إن الشيطان متربص بالبشر يريد أن يوقع بينهم العداوة والبغضاء وأن يجعل من النزاع التافه عراكا داميا، ولن يسد الطريق أمامه إلا القول الجميل وأما حسن الكلام مع الخصوم فهو يطفئ خصومتهم ويكسر حدتهم أو هو على الأقل يقف تطور الشر واستطارة شرره، فإن اللسان السائب حبل مرخي في يد الشيطان يصرف صاحبه كيف شاء ويوجهه كيف يريد، فإذا لم يملك أمره كان فمه مدخلاً للنفايات التي تلوث قلبه وتضاعف فوقه حجب الغفلة، فإن من أخلاق الإسلام وقيمه تعلم المسلم آداب الحديث والاستماع بين الناس ومنها الابتداء بالسلام عند بداية التلاقي ورد المسلم عليه وتخلق كل منهما للآخر بالأخلاق الحسنة، وتبسمه في وجهه، والحرص على القول الحسن والحوار الحسن والبعد عن التجريح والسب والفحش في القول والسخرية والاستهزاء، فتبسمك في وجه أخيك صدقة والاستماع إلى المتكلم حتى يفرغ وعدم مقاطعته وتحلي كل منهما بالصبر والصفح والحلم، ومواجهة الخطاب السيئ بالخطاب الحسن، وهذا هو هدي الأنبياء فإن موسى لم يرد بالمثل على من اتهمه بالجنون، ونوحا لم يرد بالمثل على من اتهمه بالضلال وهودا لم يرد على من اتهمه بالسفاهة إلى غير ذلك من الآداب، وقد علمنا الهدي النبوي أنه لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، فالبعد عن اللغو من أركان الفلاح ودلائل الاكتمال وقد كره الإسلام اللغو لأنه يكره التفاهات وسفاسف الأمور ثم هو مضيعة للعمر في غير ما خلق الإنسان له، فهدي الإسلام يحض المسلمين على احترام الناس لا على احتقارهم وازدرائهم، وبخاصة إذا كانوا جديرين بالتقدير والاحترام، بل إنه ليعد احترام الكبير والعالم وصاحب الفضل من الأصول الأخلاقية الكبرى التي تعطي للمسلم هويته في المجتمع الإسلامي، ومن فقدها انخلع من عضوية هذا المجتمع وجرد من شرف الانتساب لأمة الإسلام، فاحترام الكبير في المجتمع وتقديمه على من هو أصغر منه دليل على رقي المجتمع وعلامة فهم أعضائه لقواعد الأخلاق الإنسانية وعلامة على سمو نفوسهم وتهذيبها، ومن أجل ذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص على أن يؤكد هذا المعنى في نفوس المسلمين، وهو يرفع قواعد المجتمع الإسلام ويرسي دعائم الأخلاق فيه، لذا أثمرت هده التربية في نفوس الجيل الأول من المسلمين، فأنشأت رجالا تجسدت فيهم تلك الأخلاق الفاضلة، فكانوا نماذج فذة في إجلال الكبار وأصحاب الفضل.