31 أكتوبر 2025
تسجيلتشهد العلاقات الصينية- الهندية تحسنا لافتاً في السنوات الأخيرة، توج بزيارة وزير الخارجية الهندي "سوماناهالي كريشنا" للصين ثم زيارة رئيس الوزراء الصيني وين جياباو إلى الهند في شهر ديسمبر الجاري، والذي أكد أن العلاقات الثنائية دخلت الآن مرحلة جديدة من النضج، والنمو المستقر، مشيراً إلى أن الصين ستعمل مع الهند على زيادة الثقة المتبادلة، وحل قضايا الحدود بين البلدين بالشكل المناسب. وقد عكست التقارير الاقتصادية هذا التحسن، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري بينهما من 2.9 مليار دولار أمريكي عام 2000 إلى 51.78 مليار دولار أمريكي عام 2008، ثم وصل خلال العالم الجاري حوالي 60 مليارا، وبهذا أضحت الصين الشريك التجاري الأول للهند. لكن رغم هذا التحسن الواضح على علاقات البلدين فإن التوتر ما زال هو الذي يحكم هذه العلاقات، خاصة في ظل استشعار الهند مخاطر المساعي الصينية لتطويقها إقليميا وعدم السماح بتحولها لقوة عالمية منافسة لقوة الصين الصاعدة. وهناك العديد من مصادر التوتر التي تستغلها الصين في تحقيق هدفها، أهمها مشاكل الحدود بين البلدين، التي فشلت جولات الحوار التي بلغت 13 جولة خلال السنوات الست الأخيرة في التوصل إلى اتفاق بشأنها، وهو ما دفع الصين إلى التصويت ضد قرار تقديم قرض من بنك التنمية الآسيوي إلى الهند بقيمة 2.9 مليار دولار أمريكي، على أن يُستعمل جزء بسيط منه في مشاريع الري في منطقة أروناشال براديش الحدودية المتنازع عليها. ورغم التوتر الذي تثيره المشاكل الحدودية بين البلدين إلا أنها كانت توترات محسوبة ولم تصل بالبلدين إلى نقطة اللاعودة. حتى جاءت التطورات الأخيرة التي أضافت مشكلة أكثر خطورة، وهي تلك المتعلقة بالتواجد العسكري الصيني في باكستان، خاصة في إقليم كشمير التي تعتبره الهند مناطق متنازعا عليها مع باكستان. لكن هذا التواجد العسكري الصيني في كشمير الباكستانية لم يأت على حين غفلة من الهند، بل جاء في سياق الصراع على النفوذ في آسيا بين بكين وواشنطن. ورغم أن باكستان تعد حليفة للولايات المتحدة، إلا أنها شعرت بأن واشنطن أصبحت أكثر قربا من نيودلهي، عدوتها اللدود، خاصة بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الأمريكي مؤخرا للهند والتي وقع خلالها عدد كبير من اتفاقيات التعاون التي شملت شتى المجالات، خاصة العسكرية منها، مما جعل إسلام آباد تستشعر الخطر القادم وتتأكد من أن واشنطن ساعة الجد سوف تأخذ جانب الهند وليس جانبها، وهو ما دفعها لتعزيز تحالفها مع الصين. ذلك أنه رغم الخدمات التي قدمتها باكستان في الحرب على الإرهاب سواء فيما يتعلق بتأمين ممر إلى أفغانستان لمصلحة قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أو في محاربة المقاتلين في المناطق القبلية، لم تقدم لها الولايات المتحدة سوى مساعدات اقتصادية لم تعوض سوى جزء يسير من خسائر الاقتصاد الباكستاني. أما ما يتعلق بخسائرها الأمنية خاصة لجهة صراعها مع الهند، فلم تتلق إسلام آباد سوى الوعود الكاذبة التي بددتها اتفاقيات التعاون الإستراتيجي بين واشنطن ونيودلهي. وحتى تلك المساعدات الاقتصادية، فهي مهددة بالتوقف إذ تشير بعض المصادر المطلعة في الأوساط الإستراتيجية الباكستانية إلى تراجع، أو حتى توقف، المساعدات الأمريكية خلال النصف الثاني من العام المقبل، غداة بدء انسحاب القوات العسكرية الأمريكية من أفغانستان، بينما ستزدهر العلاقات الأمريكية- الهندية في المقابل. وفي إطار استعداد باكستان لمواجهة هذه المستجدات، سعت لتوثيق تحالفها مع الصين التي كانت هي الأخرى تنتظر هذه الفرصة، حيث وفرت لها كافة أنواع الدعم السياسي والاقتصادي والأمني في سبيل استقطابها، وفي هذا الإطار أعلنت بكين مؤخرا عن نيتها تحمل تكلفة كافة مشاريع الطاقة في البلاد، هذا فضلا عن قيامها بتنفيذ العديد من المشاريع الاستثمارية الأخرى التي وصلت قيمتها إلى حوالي 15 مليار دولار. ولا يتوقف التعاون على المجال الاقتصادي فقط، فهناك التعاون العسكري حيث قدمت بكين الخبرات العسكرية والنووية لإسلام آباد في الماضي، كما تقوم شركات صينية ببناء مفاعلين نوويين جديدين بقدرة 650 ميجاوات، في منطقة تشاشما بإقليم البنجاب شرقي باكستان، كبداية لبناء عدد آخر في مناطق مختلفة من باكستان. ثم جاء التطور الأبرز في مجال التعاون العسكري والذي تمثل في التواجد العسكري الصيني المباشر على الأراضي الباكستانية تحت غطاء تنفيذ مشروعات مشتركة، خاصة في منطقة كشمير الباكستانية، حيث يعمل جنود صينيون في إنشاء مشاريع للسكك الحديدية في مناطق "جلجيت - بالتستان" الواقعة في الجانب الباكستاني من كشمير. وقد ذكر تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" مؤخراً أن الصين نشرت ما يتراوح بين 7-11 ألفاً من جنود جيش التحرير الصيني في منطقة جلجيت- بالتستان بهدف السيطرة على هذه المنطقة الإستراتيجية الحيوية، وذكر التقرير أن حرص الصين في السيطرة على المنطقة يكمن في سعيها لإيجاد مدخل عبر الطرق البرية وخطوط السكك الحديدية إلى الخليج العربي عبر باكستان. وقد اعترضت الهند على هذا التطور الذي اعتبرته تهديدا استراتيجيا لها حيث سيساعد بكين في استكمال الطوق الذي تحاول فرضه عليها في إطار ما يعرف بنظرية عقد اللؤلؤ، من خلال توسيع نفوذها في الدول المجاورة لها، من سريلانكا جنوباً، إلى نيبال وباكستان شمالاً، حيث قامت الصين ببناء ميناء بحري رئيس في سريلانكا، جنباً إلى جنب مع توسيعها لشبكات السكك الحديدية في إقليم التبت، حتى وصلت هذه الشبكة إلى الحدود المشتركة بين الصين والهند. ومع استكمال المشروعات التي تقوم بها القوات الصينية في إقليم كشمير الباكستاني سوف تكون قد أحكمت الطوق حول نيودلهي. إضافة إلى ذلك هناك المخاوف الهندية من تأثير تلك التطورات على الموقف في إقليم كشمير الذي تسيطر عليه وتوجد به مقاومة ضاغطة عليها تسعى إلى استقلال الإقليم، حيث تخشى نيودلهي من استفادة المقاومة الكشميرية من التواجد الصيني على حدود الإقليم سياسيا وعسكريا، كجزء من شروط التحالف مع باكستان التي تعتبر كشمير جزء لا يتجزأ من أراضيها. وقد تعمقت هذه المخاوف مع التصريحات التي أدلى بها متحدث باسم وزير الخارجية الصيني مؤخراً، والتي أشار فيها إلى منطقة جلجيت- بالتستان على أنها الجزء الشمالي من باكستان، في حين وصف الجانب الهندي من الإقليم بأنه منطقة "تسيطر عليها الهند". ولم يكن هذا الموقف معزولاً عن بقية مواقف وسياسات بكين الأخرى. فقد سبق للهند أن احتجت من قبل للسفارة الصينية في نيودلهي على إصدار تأشيرات سفر للكشميريين على أوراق منفصلة، بدلاً من ختمها على جوازاتهم الصادرة لهم من قبل الحكومة الهندية. كما رفضت الأخيرة الاعتراف بصحة تلك التأشيرات غير المختومة على جوازات مواطنيها. وبالنتيجة لم يعد الهنود الكشميريون قادرين على السفر إلى الصين بسبب الأزمة التي أحدثتها التأشيرات المذكورة بين عاصمتي البلدين. وإذا ما استمرت التطورات في هذه القضية على هذا النحو المتصاعد فقد تصبح كشمير هي منطقة التفجير القادم للعلاقات الصينية التي ما زالت تبحث عن الاستقرار والاستمرار لكن عوامل التوتر والصراع لا تعطيها تلك الفرصة.