14 سبتمبر 2025

تسجيل

«بارودتي صارت هي القضية»؟

06 ديسمبر 2023

رحم الله الشاعر العربي الراحل نزار قباني عندما قال (أصبحَ عندي الآن بندقية، أصبحتُ في قائمة الثوار... حتى.. ’قولوا لمن، يسأل عن، قضيتي، بارودتي صارت هي القضية‘). لقد لخص بهذه الجملة الأخيرة، فكرا وعقيدة وعملا، من أهم أسس الإسلام. ومهم هنا توضيح أن ليس كل شعر غواية وليس كل متبع لشاعر من الغاوين. فبعض الشعر إنشاد وإيقاظ وإحياء مبين. فكثيرون يفهمون آية «والشعراء يتبعهم الغاوون»، على طريقة «ولا تقربوا الصلاة..»، وينسون أن حسان بن ثابت كان شاعر الرسول الكريمﷺ. وبالطريقة نفسها يسيئون فهم معاني أخرى كثيرة. قباني بكلماته تلك لخص معاني جوهرية حُرفت وكادت تحذف تماما من قاموس لغتنا العربية، تحت وابل التشويه الفكري الذي تعرضت له الأمة ومازالت، كما أشرت سابقا، من قبل قوى الرأسمالية العالمية. من أهم تلك المعاني، الجهاد وحسن الاستعداد. وأحسب أن طوفان الأقصى أعاد إحياء هذه المعاني التي كادت تندثر لأنه أثبت، ليس فقط أن عندنا فعلا بندقية، ولكن أنها فاعلة وقادرة على ردع العدو حتى في أبسط صورها عندما تُوجهُ نحوه. قال قباني قولته تلك تخليدا للعمليات الفدائية الفلسطينية إثر حرب 1967. لكن عقب تلك الحقبة لم تكن البندقية موجهة، في معظم الأوقات، نحو عدونا بقدر ما كانت موجهة نحو رؤوسنا وصدورنا وقلوبنا نحن. كانت البندقية، للأسف، عندنا لكنها لم تكن لنا بل كانت علينا. كتب قباني قصيدته عام 1968 وكان مضى 20 عاما على إصابتنا بالكيان السرطاني فقال «عشرون عاما وأنا أبحث عن أرض وعن هوية»، لكن ال20 صارت 75، ضاعت فيها الأرض والهوية، أو كادت، وتلاشى الأمل تدريجيا حتى جاء طوفان الأقصى فأحياه. وتحت ضربات «طوفان» التشويه الفكري الذي مورس ضدنا نحن المسلمين خرجت أصوات عميلة كثيرة، على مدى عقود، تشوش على الناس وتخلط بين معنى الجهاد الحقيقي والإرهاب بمعناه الذي صكه الغرب. ذلك الخلط الذي جعل الجهاد إرهابا وجعل إجرامهم وحروبهم العدوانية حضارة وديمقراطية، حتى بات أكثر الناس في حيرة من أمرهم، وانفصمت هويتهم، وتخلوا في قرارة أنفسهم عن الجهاد، الذي كان سبب عزتنا في عصور أمتنا المجيدة، بينما يتمسك عدونا الآن بنفس هذا الأمر الذي كان تركُهم له من أسباب غضب الله عليهم، زمن نبي الله موسى. فهم يقاتلوننا الآن كافة بينما نحن مصابون بالهزيمة النفسية؛ مفككون ومشتتون، ليس لنا قيادة واحدة، ولا عقل واحد، ولا قلب واحد. وكما دخلوا هم في التيه قديما لرفضهم الدخول على عدوهم، دخلنا نحن في تيه المفاهيم المشوهة والتخاذل واللامبالاة، بتوقفنا حتى عن التفكير في الجهاد رغم أنه في بيئة مسلمة طبيعية سيكون الجهاد أمرا مسلما به تماما مثل الصلاة والصيام. ففي ظل ذلك التشويه وتغلغُل العدو من خلال ما يُسمى التطبيع، وإعادة صياغة الفكر الإسلامي بما يُرضيه ويَحميه، أصبحت البندقية في يد منظمات ودول تسمى عربية وإسلامية، لكنها فقدت إيمانها برسالتها فتحولت كل بنادقهم علينا نحن الشعوب، وتنكروا جميعا لمعانى الجهاد، الذي يقع من الإسلام موقع الدرع الواقي الذي لا تقوم للأمة قائمة بدونه، وتتقدم أهميته أو تتأخر بقدر تقدم الخطر أو تأخره منها. والغريب أن يعرف أهمية الجهاد في ميزان الإسلام من هم ليسوا مسلمين أكثر من أكثريتنا نحن. فهذا هو المستشرق الفرنسي جاك ريسلر، في كتابه «الحضارة العربية»، برغم بعض أخطاء تأريخية فيه، يقدم لنا فقها أحسب أنه يتفوق على فقه كثير من علماء عصورنا السابقة والحالية، إذ هو يعُد الجهاد الركن السادس في الإسلام (ص42)، بتقرير واضح لا لبس فيه، بينما أغلب من أدلى بدلوه من الفقهاء المعتبرين في الأمر، إما حبذ جعله ركنا سادسا، وإما قدمه في مراتب الفرائض وليس الأركان، وإما جعله في مرتبة التطوع بدرجات متفاوتة. أما الفقهاء الذين أعلوا منزلة الجهاد منذ ابن تيمية إلى أبي الأعلى المودودي ومن بعده فقد تم تشويههم، أي تشويه، ونعتهم بالإرهاب. على أن الأمر أهون كثيرا من أن يبقى محصورا بين المؤيدين للجهاد في صورته الهجومية (الطلب) وبين المؤيدين له في صورته الدفاعية (الدفع)، فهناك صورة ثالثة يمكن تسميتها «جهاد الردع». وأحسب أن هذا المعنى هو الأقرب إلى معنى الآية «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ترهبون به عدو الله وعدوكم». وهذا أيضا ينسجم مع ما تبناه علماء ومفكرون مسلمون منهم الشاعر الكبير محمد إقبال بقوله «الإسلام بلا قوة تحميه يصبح مجرد فلسفة»، وهو ذات المعنى الذي يتبناه الفكر الغربي بتعبيرٍ ترجمتهُ «الحق هو القوة والقوة هي الحق». و»جهاد الردع» لا يعني الهجوم أو العدوان على أحد ولكن يعني، الإعداد والاستعداد، ونصرة الحق ولو بالكلمة، وأن ينخرط كل من يستطيع في قائمة الثوار المرابطين وليس المهاجمين بالضرورة، حتى «نعيش كالرجال أو نموت كالرجال». لقد أثبت وقوف قطر الفاعل، سياسيا وإعلاميا، إلى جانب المقاومة في هذه الحرب المقدسة أن روح الأمة لم تمت وأن «جهاد الردع» ممكن التحقق. فمتى يصبح العرب والمسلمون جميعا في قائمة الثوار؟ ونقول في صوت واحد، «إلى فلسطين خذوني معكم».