11 سبتمبر 2025

تسجيل

نظرات على المحاكم المتخصصة في دولة قطر

06 ديسمبر 2021

في إطار سعي القيادة الرشيدة الدائم لدعم البيئة الاستثمارية بالدولة، وإيمانا من المشرع القطري بأهمية القضاء المتخصص كأحد أهم عوامل تحفيز الاستثمار، وجذب رؤوس الأموال إلى الدولة، لاسيما بعد نجاح تجربة محكمة قطر الدولية في تعزيز مناخ الاستثمار في مركز قطر للمال، فقد أصدر المشرّع القانون رقم 21 لسنة 2021 بإصدار قانون إنشاء محكمة الاستثمار والتجارة بتاريخ 19 أكتوبر 2021، والذي يتم بموجبه إنشاء محكمة جديدة تُدعى محكمة الاستثمار والتجارة، والتي تختصُّ بالنظر والفصل في دعاوى الاستثمار والتجارة. ووفقا لما نص عليه القانون، سيتم العمل به بعد مرور ستة أشهر من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية. بيد أن القانون لم يتم نشره حتى تاريخه في الجريدة الرسمية. لذا فإنه من المنتظر أن يتم نشر القانون في الجريدة الرسمية قريبا جدا، ليتم البدء باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة والاستعدادات الفنية لإنشاء المحكمة بحيث تكون جاهزة لبدء عملها بعد مرور ستة أشهر من تاريخ نشر القانون في الجريدة الرسمية. وبمقتضى أحكام القانون، فسوف تُشكّل محكمة الاستثمار والتجارة الجديدة من دوائر ابتدائية وأخرى استئنافية، كما أنه سوف يكون للمحكمة الجديدة مقر مستقل وموازنة خاصة تلحق بموازنة المجلس الأعلى للقضاء. وبموجب نص المادة (7) من القانون الجديد، تختص الدائرة الابتدائية بمحكمة الاستثمار والتجارة بالنظر والفصل في كافة المنازعات المتعلقة بالعقود التجارية والدعاوى الناشئة بين التجار، والمنازعات بين الشركاء أو المساهمين بعضهم البعض، أو التي تقع فيما بينهم والشركة بحسب الأحوال، والمنازعات المتعلقة بالأصول التجارية، والمنازعات المتعلقة باستثمار رأس المال غير القطري في النشاط الاقتصادي، والمنازعات المتعلقة بالبيوع البحرية، والمنازعات المتعلقة بعمليات البنوك والأوراق التجارية وشركات التأمين وشركات التمويل والاستثمار، والمنازعات المتعلقة بالإفلاس والصلح الواقي منه، والمنازعات المتعلقة ببراءات الاختراع، والعلامات التجارية، والنماذج الصناعية، والأسرار التجارية، وغيرها من حقوق الملكية الفكرية، والمنازعات المتعلقة بحماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية ومكافحة الممارسات الضارة بالمنتجات الوطنية في التجارة الدولية، والمنازعات المتعلقة بالتجارة الإلكترونية، والمنازعات المتعلقة بعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وقد حرص المشرع القطري في القانون الجديد على إنشاء نظام إلكتروني خاص بالمحكمة، لمواكبة آخر المستجدات الإلكترونية وتسخيرها لخدمة عملية التقاضي اختصارا لأمد التقاضي وتيسيرا لإجراءات الدعوى، حيث ستتمكن المحكمة بواسطة النظام الجديد من إرسال الإخطارات المختلفة المتعلقة بالدعوى إلى الأطراف إلكترونيا. كما سوف يكون بإمكان أطراف الدعوى إيداع وتبادل المذكرات والمستندات وتقارير الخبرة فيما بينهم إلكترونيا ودون الحاجة إلى الإيداع الورقي لتلك المذكرات والمستندات والتقارير في قلم المحكمة. كما حرص المشرع في القانون الجديد على إنشاء مكتب لإدارة الدعوى، حيث سوف يعمل هذا المكتب على التحقق من استيفاء كافة المستندات اللازمة من المدعي عند إيداع صحيفة الدعوى إلكترونيا، والتحقق من انتهاء تبادل كافة مذكّرات الرد والتعقيب بين الخصوم، بحيث يتم إحالة ملف الدعوى إلكترونيا إلى الدائرة المختصة كاملا ومشتملا على ردود الخصوم وكافة مستندات الدعوى، ليتم الفصل فيها من قبل الدائرة المعنية خلال فترة لا تتجاوز (90) يوما. ويلاحظ أن القانون الجديد قد اختصر مواعيد الطعن بالاستئناف أمام الدوائر الاستئنافية بالمحكمة بالمقارنة مع مواعيد الطعن بالاستئناف المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم 13 لسنة 1990، حيث قصّر المشرع القطري ميعاد الطعن بالاستئناف في الأحكام الصادرة عن الدوائر الابتدائية بالمحكمة الجديدة وجعلها (15) يومًا من تاريخ إعلان ذوي الشأن في الدعاوى العادية، بدلا من (30) كما هو الحال المعمول به أمام محكمة الاستئناف وفقا لأحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية. كذلك جعل المشرع القطري ميعاد الطعن بالاستئناف في الأحكام الصادرة عن الدوائر الابتدائية بالمحكمة الجديدة المتعلقة بالمسائل المستعجلة (7) أيام بدلا من (20) كما هو الحال المعمول به أمام محكمة الاستئناف وفقا لأحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية. وقد نص القانون الجديد كذلك على إنشاء دائرة بمحكمة التمييز تسمى دائرة المنازعات الاستثمارية والتجارية تختص بالفصل في الطعون في الأحكام الصادرة عن محاكم الاستئناف بخصوص المنازعات محل اختصاص المحكمة الجديدة، كذلك فقد قصّر المشرع القطري مواعيد الطعن بالتمييز وجعلها (30) يومًا بدلا من (60) كما هو الحال المعمول به أمام دوائر التمييز الأخرى. كذلك فقد أجاز المشرع القطري لدائرة المنازعات الاستثمارية والتجارية بمحكمة التمييز إذا قضت بتمييز الحكم المطعون فيه أن تحكم في موضوع الدعوى تجنبًا لإطالة أمد التقاضي وإحالة الدعوى مرة أخرى إلى محكمة الاستئناف. ويلاحظ أن أهم ما يميز القانون الجديد هو حرص المشرع القطري على إنشاء مكتب إدارة الدعوى وهو ما يعرف اصطلاحا بنظام إدارة الدعوى، والنظام الإلكتروني بالمحكمة، لاسيما بعد أن أثبت النظام الإلكتروني لإدارة الدعوى المعمول به في محكمة قطر الدولية نجاعته وفاعليته في محكمة قطر الدولية في كيفية التعامل مع الدعاوى والمنازعات على نحو يحقق العدالة الناجزة وتسريع وصول الحقوق لأصحابها. وتجدر الإشارة إلى أن المشرع القطري قد أصدر مؤخرا القانون رقم 15 لسنة 2021 بتعديل بعض أحكام قانون المناطق الحرة، ضمن حزمة التشريعات الداعمة للاستثمار في دولة قطر، وذلك لإدراج كافة المنازعات والمسائل التي تقع في المناطق الحرة بالدولة ضمن الاختصاص القضائي لمحكمة قطر الدولية، وذلك دعما للبيئة الاستثمارية في المناطق الحرة واستقطاب المزيد من الشركات الدولية للتأسيس فيها. وفي الختام، نرى بأن التوجه لإنشاء المحاكم المتخصصة في الدولة مثل محكمة الاستثمار والتجارة، ومحكمة قطر الدولية، ما هو إلا دليل على الرغبة القوية لدى المشرع القطري في أن تلعب تلك المحاكم دورا رئيسيا في المساهمة في دعم وتحفيز مناخ الاستثمار في دولة قطر. ولنجاح هذه الخطوة في تفعيل القضاء المتخصص، كان لابد من استحداث آليات قضائية إجرائية حديثة، تتناسب مع الطبيعة الخاصة للمنازعات الاستثمارية والاقتصادية والتجارية التي تختص بنظرها تلك المحاكم.