18 سبتمبر 2025

تسجيل

ثورة الملتي ميديا تحتاج إلى تشريعات!

06 ديسمبر 2021

حين قال بايدن يوم 3 مايو2021 إن الحروب الراهنة والقادمة هي حروب "رقمية" (ديجيتال وور) لم يكن مبالغا في شيء لأننا بالفعل نشهد تجاوز البشرية لمراحل الحروب العسكرية والإقتصادية والحدودية إلى حروب من أجل المياه ومن أجل البيئة بوسائل أخرى تكنولوجية وسيكون حوار الرئيسين بايدن وبوتين غدا الثلاثاء 7ديسمبر حول هذا التحول السيبرنائي والقرصنة. ومن جهة أخرى تصدرت المشهد في الأزمات شركة (إن سي أو) الإسرائيلية بتصنيع وتصدير تقنيات برنامج (بيغاسوس) الذي أثبت نجاعته في اختراق الهواتف والحسابات الشخصية لمن تعتبرهم بعض الدول التي اقتنت برنامج (بيغاسوس) أعداء! قالت افتتاحية مجلة (تايم) الأسبوع الماضي، إن حروب القرن 21 ستكون سيبرنائية! ثم هل سمعتم باسم (ماتياس شاراتر) وهوضابط سابق في (الأف بي أي) أنشأ شركة لملاحقة المجرمين السيبرنائيين الذين يهددون شركات أمريكية كبرى باختراقها وطلب فدية، (لديه أكثر من 500 طلب مساعدة من الشركات!)، وللتذكير فإنه منذ ظهور مصطلح (ملتي ميديا) عام 1980 على أيدي الأستاذين/ سيمون نورا/ و/ألان مينك/ اللذين وضعا لمنظمة اليونسكو تقريرهما عام 1978 حول المجتمعات المعلوماتية؛ وهذا المصطلح يكتسب تدريجيا أهمية بالغة وكانت أول التصنيفات السوسيولوجية الأكاديمية لهذه الثورة هي عبارة (القرية الكونية) الرائعة التي ابتكرها العلامة الكندي (مارشال ماك لوهان) الذي كان أول من أشار إلى أن العالم كله أصبح (قرية كونية صغيرة) ينتشر فيها الخبر بسرعة البرق من أدنى الدنيا إلى أقصاها. فالملتي ميديا أو وسائط الإعلام المتعددة هي كأجهزة الإعلام الإخرى حمالة رسالة ونقالة معلومة ومبلغة معرفة وأنباء، وبالتالي تؤدي دورها الكامل في توجيه الرأي العام وقيادة المجتمعات ونقل القيم والثقافات وتبادل المعلومات والخبرات والتجارب وتكوين ردود الأفعال العامة إزاء الأحداث. ولكن الذي يفرق بين الملتي ميديا ووسائل الإعلام التقليدية كالاذاعة والتلفزيون والصحافة هوافتقاد الملتي ميديا لقوانين منظمة لهذه الأداة الإعلامية القوية المتنامية. فقد ولد قانون الصحافة والنشر في كل دولة ليجاري ويقنن ويواكب الإذاعة والصحافة المكتوبة والتلفزيون وظل هذا القانون مرتبطا بهذه الأجهزة التقليدية يحاول حماية حقوق الناس من الاعتداء بالكلمة أو بالصورة على الأعراض والأديان والخصوصيات. وتختلف هذه القوانين من دولة لدولة حسب درجة ليبرالية مجتمعاتها، لكنها تظل قوانين قابلة للتطبيق وقابلة للتطوير حسب تطور أدوات الإعلام. أما وسائط الاتصال الحديثة (الملتي ميديا) فهي لا تتطور فحسب، بل (تتثور) (من أصل الفعل ثار يثور)، وثورتها المستمرة المتسارعة تمنع المجتمعات، حتى المتقدمة، من أن تلاحقها وتواكبها بتشريعات ملائمة حتى قال الاستاذ (أ. لوكاس) أستاذ القانون بجامعة نانتز الفرنسية: (إن عالم الملتي ميديا استعصى على القانون وتحول إلى دغل متوحش لم يعد من الممكن إخضاعه لتشريعات...) ففي فرنسا مثلا بدأت الوسائط الاتصالية تأخذ طريقها إلى عالم الإعلام والمصارف والشركات عام 1980. وحين وضعت الدولة الفرنسية قانون الاتصال في 29 يوليو1982، عرج بند واحد من بنود القانون على الملتي ميديا، حيث أخضع كل من يتعامل مع الكمبيوتر ويسجل برمجياته إلى مجرد التصريح بذلك دون تحديد الجهة التي يصرح لها بذلك، وكيفية التصريح ومن له الحق أوالقدرة على قبول أو رفض التصريح. لقد انطلق المشرع الفرنسي من أعمدة الحكمة القانونية أو من فلسفة القانون حين أكد بأن مستعمل هذه الوسائط هو مواطن له كامل حرية التعبير والاتصال ونشر أفكاره في إطار القانون... أي اعتبر القانون مستعمل الوسائط ككاتب في صحيفة أو متحدث في إذاعة أو متكلم في تلفزيون، وأخضعه إلى نفس معاييرهم في الامتناع عن نشر أفكار نازية أوعنصرية أو باثة للكراهية أومخلة بالأمن العام أو نشر صور خليعة يمكن أن تصل إلى أيدي الصغار والقصر وغير الراشدين. ولا نجد في القانون أي إشارة أو تلميح إلى نسخ الأقراص بصورة غير مشروعة أو نشر موقع من مواقع انترنت ذي محتوى مخل بالأخلاق أو بالاديان أو بالأعراض أو بالأمن العام. وهكذا بلغنا في أواسط التسعينيات مرحلة البي سي P.C أو الكمبيوتر الشخصي وتوصيله بالأجندة الشخصية وبشبكة الانترنت وبالهاتف النقال دون أن تتابع القوانين هذه الثورة العارمة الحقيقية. ففي الولايات المتحدة وهي متقدمة الكترونيا وتشريعيا وقعت في شهر يناير الماضي مشكلة بيل جيتز وتقديم شركة مايكروسوفت للقضاء بتهمة يرجع عهدها إلى القانون الأمريكي التجاري لسبتمبر 1903 أي صادر منذ حوالي قرن، وهو قانون مكافحة الاحتكار، وبذلك عوملت شركة مايكروسوفت عام 2021، كما كانت تعامل مزارع الطماطم والبطاطس عام 1904، ومصانع التبغ عام 1943 وشركة فورد للسيارات عام 1955.... الخ. وأمام الفراغ القانوني المذهل في أمريكا أصدر القاضي حكما مذهلا في إبريل الماضي يقضي بتقسيم مايكروسوفت إلى شركتين مما دعا صاحبها بيل جيتز إلى التعليق المازح بقوله: (كأنما القاضي يأمر بتقسيم شركة ماكدونالدز إلى شركتين: واحدة تبيع الهامبرجر والثانية تبيع الشيزبرجر). وإذا كان هذا حال فرنسا وأمريكا إزاء الهجمة الضارية للوسائط الاتصالية، فما عسى يكون حالنا نحن العرب حين نصرح بأعلى أصواتنا إننا نريد الحفاظ على قيمنا وديننا وأخلاقنا، ثم نغمض عيوننا في نوع من أنواع اللامسؤولية، والاستقالة عن الانحرافات والتجاوزات الإلكترونية الخطيرة.. ما عدا الحرص على الأمن السياسي، وهوأمن عابر ومتغير مختلف عن الثوابت. إن هذه قضية العرب كذلك. ففي فضاء الملتي ميديا يظل البيت العربي بدون أبواب بل بدون جدران وبلا سقف؛ فلا يجب أن نندهش غدا إذا هبت علينا الرياح العاتية من الشرق أو الغرب!