01 نوفمبر 2025
تسجيلمن الحقائق الثابتة التي لا يشوبها شك وليست محل خلاف، أن النوايا من الأمور الغَيبيَّة التي لا يعلمها إلا الله تعالى كما جاء في كتابه العزيز: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19]. وقد جاء الإسلام مؤكدًا على اعتبار النية في العبادات؛ فمتى عزم الإنسان على فعل شيء أو تركه اعتُبرت نيته جزءًا من الحكم عليه متى صرَّح بتلك النية، ولا تُنتزَع النوايا من أصحابها دون التصريح بها، فهذا مما يخالف الشرع والعقل، والدخول في قلوب الغير والحكم على نواياهم بناءً على ظاهر فعلهم هو من الابتلاءات في هذا الزمان، وأن يحكم الناس على نوايا بعضهم البعض لمجرد هوًى شخصي. فيجب علينا جميعًا الحذر من الدخول في نيات الآخرين والتشكيك بآرائهم.. يجب الحذر من تصيُّد عثرات الآخرين.. والاصطياد في الماء العكر.. تجنبوا إثبات صفة الكذب والغش والخداع في كل مَن يكتب موضوعًا هادفًا أو يطرح رأيًا مُنصفًا في أي أمر من أمور الحياة العامة، أو لديه وجهة نظر ثاقبة عميقة ناصحة للجميع؛ فلا نسارع بالحكم على نيته وهدفه وقصده ونترك ما يحمله كلامه من نفعٍ ونفتش في دوافع الشخص وأسباب تدَخُّلِه ونُصحِه، فهذا لا شك زيغ عن الحق؛ فإنما الأعمال بالنيات.. ولكل امرئ ما نوى.. فالظن السيئ مَنهِيٌّ عنه.. والتشكيك بكل رأي مُنصِفٍ وناصحٍ أمرٌ خطيرٌ.. إن سوء الظنِّ يقضي على روابط الألفة ويقطع أواصر المودَّة.. ويولِّد الشحناء والبغضاء بين الناس، فالشخص السيئ يظن بالناس السوء، ويبحث عن عيوبهم، ويراهم من حيث ما تخرج به نفسه. أما المؤمن الصالح فإنه ينظر بعين صالحة ونفس طيبة للناس، يبحث لهم عن الأعذار، ويظن بهم الخير. فليس للمرء أن يحكم على نوايا غيره مهما ظهر من صلاح أو فساد عمل الشخص! وإنما الحكم على عمله وقوله فقط. قال تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}. فليس مطلوبًا من أي شخص أن يحكم على بواطن الأمور.. أمَّا مَن خشِيَ من غيره «سوء النيَّة» فليَتَّقِهِ ما أمكنه ذلك بدون أن يحكم عليه بسوء النيَّة، بل قد يضرُّ الشخصُ غيرَه وهو يظنُّ أنَّه يُحسِن صُنعًا. ونرى بعضَ الناس يحرصون على اصطياد ما يُثبت سوء نيَّة خصمه.. والصحيح أنَّ صلاح نيَّة الشخص أو فسادها ليست بحجَّة في ذاتها، وليست بحجَّة إلا لصاحبها عند ربِّه سبحانه وتعالى! أمَّا الناس فيُعامَلون على ظاهر أقوالهم وأفعالهم. ولعل هذا الواقع المؤسف الذي نحن فيه الآن من التفرُّق والاختلاف والنزاعات والشتات ما هو إلا نتيجة للتنجيم عن نيات الناس وما تُكِنُّه صدورهم دون الاستناد إلى حقائق. فقد أصبح السائد في مجتمعاتنا اليوم هو المسارعة لتفسير قصد فلان بكلامه وأفعاله، وخصوصاً في وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبحت كل الألفاظ تَحمِل عدة معانٍ وتعبيراتٍ تعتمد جُلُّها على التورية واللمز، وكلٌّ منا يفهم الكلمة بغير معناها، ويفسر الموقف حسب رؤيته، ويبني على ذلك كله قصد المتكلم ونيته... ولا حول ولا قوة إلا بالله. فلنَحذَر جميعًا من النزول إلى هذا الحد من الاستهتار بالأمور التي لا نعلمها؛ لما في ذلك من تقطيع الصلات وتحميل النفوس ما لا تطيق من حقوق العباد، فلا تتقوَّل على أحد دون تصريح منه، فالنوايا يعلمها الله، وما يخصك هو الظاهر، والله يتولى السرائر.