14 سبتمبر 2025
تسجيلبنهاية شهر أكتوبر الحالي يكون سكان العالم قد بلغوا 7 مليارات نسمة، وهم يسيرون بصورة سريعة لبلوغ التسعة مليارات بحلول عام 2050 مما يعني إحداث تغيرات اجتماعية واقتصادية كبيرة سيكون لها انعكاسات مهمة على تركيبة المجتمعات في مختلف قارات العالم، بما فيها البلدان العربية التي تعاني من العديد من المشاكل المتعلقة بمحدودية الموارد الطبيعية، وبالأخص مصادر المياه. وضمن هذه التطورات التي ستغير خارطة العالم الديموغرافية هناك مجتمعات ستشيخ وأخرى ستصبح أكثر شبابا، إلا أنها أكثر تناقضا، إذ في الوقت الذي سيزداد فيه عدد الشباب القادر على الإنتاج، فإن هذه البلدان سوف لن تكون قادرة على توفير فرص العمل لجيل الشاب، فعدد من تخطت أعمارهم 65 من العمر في البلدان المتقدمة سوف يتجاوز %20 بعد 40 عاما، مقابل 13% في سن ما دون الخامسة عشرة. أما في البلدان النامية، فإن الصورة ستكون معكوسة، إذ ستصل نسبة السكان إلى ما فوق 65 ما يقارب 5%، مقابل %40 منهم ما دون 40 عاما وهو ما سوف يؤدي إلى زيادة الهجرة من البلدان النامية، وبالأخص آسيا وإفريقيا والتي سيصل عدد السكان فيهما إلى 7 مليارات نسمة من أصل 9 مليارات، حيث ستتوجه معظم الهجرات إلى البلدان المتقدمة التي ستستقبل المزيد منهم رغم المعارضة الشديدة والقيود على الهجرة، وذلك لأسباب موضوعية تتعلق باحتياجات أسواق العمل وخدمة المجتمع العجوز من المواطنين الأصليين. ويشكل الضغط على الموارد الطبيعية والزراعية والمياه ومصادر الطاقة مشكلة حقيقية بسبب الاستنزاف السريع لهذه الموارد والتي ربما يؤدي إلى اندلاع حروب جديدة، كما أن تغيرات المناخ ستؤدي إلى المزيد من الكوارث الطبيعية، وبالتالي إلحاق المزيد من الضرر بالموارد المتاحة والمتناقصة. ومع أن هذه المشكلة ليست جديدة، حيث تطرق إليها بعض العلماء منذ نهاية القرن الثامن عشر، إلا أنها تزداد حدة بفضل الرعاية الصحية والتي أدت إلى ارتفاع معدل الحياة ليتجاوز 80 عاما في البلدان المتقدمة والعديد من البلدان التي حققت تقدما في الرعاية الصحية، كالبلدان المصدرة للنفط، ومن ضمنها البلدان الخليجية. وتواجه البلدان النفطية قضية شائكة في هذا المجال، إذ بالإضافة إلى الزيادة الطبيعية للسكان، فإن حجم السكان الوافدين يحقق بدوره معدلات نمو كبيرة، مما وضع أربعا من دول مجلس التعاون على رأس قائمة البلدان التي تحقق معدلات نمو سكانية مرتفعة، حيث بلغت الزيادة السكانية السنوية وفق بيانات الأمم المتحدة 11% في قطر و9.1% في الإمارات و6.7% في البحرين و3.6% في الكويت، إذ يتوقع أن يبلغ عدد سكان دول المجلس 55 مليون نسمة بحلول عام 2020 مقابل 34 مليون نسمة تقريبا في الوقت الحاضر، علما بأن دول المجلس تأتي أيضاً في الصفوف الأولى من بين بلدان العالم في معدل الحياة المرتفع وفق إحصاءات الأمم المتحدة، وذلك بفضل الرعاية الصحية وارتفاع مستويات المعيشة في دول لمجلس التعاون الخليجي. من هنا نجد أن هناك ارتفاعا مماثلا في دول الخليج على خدمات المرافق العامة، كالكهرباء والمياه والخدمات الصحية والتعليمية والتي تتضاعف كل عشر سنوات تقريبا بفعل الزيادة السكانية ومعدلات النمو الاقتصادي السريعة، حيث تخصص دول المجلس اعتمادات كبيرة في موازنتها السنوية لتلبية الطلب المتنامي على الخدمات. ومع أن بلدان العالم حققت تقدما ملحوظا على طريق الحد من الزيادة السكانية المفرطة، حيث انخفض خلال الخمسين عاما الماضية المعدل العالمي للزيادة السكانية من 2.3% تقريبا في عام 1960 إلى 1.1% في الوقت الحاضر، كما أن معدل الولادة لكل امرأة انخفض بمقدار النصف ليصل إلى 2.5 طفل، مقابل 5 خلال نفس الفترة، إلا أن هذه النسبة ما زالت مرتفعة من وجهة نظر المؤسسات المعنية بالنمو الديموغرافي في العالم. ويبدو أن هذا المؤشر سوف يسير إلى المزيد من الانخفاض، وذلك تزامنا مع تقدم المجتمعات التي تعاني من الزيادات الكبيرة والتي تتركز في البلدان النامية، مما قد يقلل من تفاقم الأزمة السكانية وتأثيراتها المدمرة على مستويات المعيشة والبيئة والتي تتغير بصورة سريعة نحو الأسوأ بفعل عوامل التلوث واستنزاف الموارد الطبيعية. وإذا كان مثل هذا التوجه العالمي المتوازن الذي تقوده الأمم المتحدة والمنظمات العالمية ذات العلاقة، فإن توجها مماثلا وبصورة أكثر كثافة وفعالية لابد أن يشمل البلدان العربية المعتمدة بصورة شبه كاملة على الموارد غير المتجددة لتلبية احتياجاتها من مرافق الخدمات، بحث يشمل مثل هذا التوجه، وضع سياسات سكانية تتناسب وتطوير الإمكانات المتوفرة من مرافق وخدمات ومصادر طبيعية من جهة، والحد من الاستهلاك المرتفع في حصة الفرد من الخدمات والذي يعتبر واحدا من أعلى المعدلات في العالم من جهة أخرى، إذ يرتبط ذلك بالعديد من التوجهات الاقتصادية والاجتماعية والقيم الخاصة بالاستهلاك والتكاليف والتعليم والنظرة الاجتماعية للعمل والتي يمكن لها جميعا أن توجد العلاقة التناسبية الصحيحة بين الموارد المتاحة والزيادة السكانية ضمن متطلبات التنمية المستدامة التي تسعى إلى تحقيقها مختلف بلدان العالم.