02 نوفمبر 2025

تسجيل

السادس من أكتوبر 1973

06 أكتوبر 2014

هو موعد انطلاق الحرب الوحيدة التي أنجز فيها العرب انتصارا حقيقيا على عدو خارجي - وبالذات الكيان الصهيوني - في التاريخ الحديث، لقد خاضوا سلسلة من الحروب التي شهدت مواجهات مع العدو، بداية بحرب 1948 والتي قاتلت فيها الجيوش العربية - دون استعداد واكتمال للترتيبات اللوجستية - العصابات الصهيونية المدعومة من قبل الغرب الصانع التاريخي للكيان، والذي هدف من وراء صناعته في المنطقة لزرع امتداد له يفصل المشرق عن المغرب العربي، وانتهت هذه الحرب بالنكبة المعروفة، ثم حرب العام 1956 والتي شاركت فيها أكبر إمبراطوريتين في العالم آنذاك وهما بريطانيا وفرنسا الكيان الصهيوني في العدوان على مصر الناشئة بقيادة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، بعد أن قرر تأميم قناة السويس والتي كانت تجسد الحضور والهيمنة الاستعمارية، مما اعتبراه إضرارا بمصالحهما ومخططاتهما، فكان لابد من معاقبته وانتهت الحرب بتهديد سوفييتي وضغط أمريكي على قوات الأطراف المهاجمة، فانسحبت تجر أذيال الخيبة، وحقق عبد الناصر انتصارا سياسيا بامتياز كان من أهم نتائجه ذبول أوراق الإمبراطوريتين وصعود الإمبراطورية الأمريكية التي تولت مسؤولية رعاية الكيان الصهيوني منذ ذلك التاريخ، سياسيا واقتصاديا والأهم عسكريا، وهو ما كان سببا جوهريا في هزيمة القوات العربية في عدوان الخامس من يونيو من عام 1967 بفعل سلسلة من المؤامرات التي دبرتها واشنطن وعواصم الغرب الأخرى للانتقام من مصر الناصرية المناوئة للمخططات الاستعمارية، والتي نجحت في بناء أنموذج تنموي استثنائي في المنطقة بتجلياته المتنوعة، خاصة على الصعيد الاقتصادي والصناعات العسكرية الناشئة. ولم يستسلم الشعب المصري للهزيمة أو النكسة، فانتفض مساندا لقائده، مطالبا باستمراره على رأس الدولة زعيما ليعيد ترتيب الأوراق، وهو ما فعله باقتدار وكفاءة عالية من خلال البدء في عملية إستراتيجية واسعة النطاق شملت كل أركان الدولة المصرية لإعادة بناء القدرات الوطنية وفي المقدمة منها المؤسسة العسكرية استعدادا ليوم المواجهة الشاملة مع العدو. وعندما وقعت هذه المواجهة المرتقبة منذ أن شعر جنود وضباط وقادة القوات المسلحة المصرية في مثل هذا اليوم – السادس من أكتوبر من العام 1973 جاءت النتائج متسقة مع المقدمات التي غزلتها قيادة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ويمكن إجمال أهم عناصر النجاح في هذه الحرب فيما يلي: أولا: اتكاء القيادة -عقب هزيمة الخامس من يونيو 1967 - على الشعب الذي خرج يومي التاسع والعاشر من يونيو مطالبا زعيمه الذي هزم بالبقاء بعد التخلص من النتوءات الداخلية، التي شكلت - إلى جانب معطيات خارجية خطيرة بلغت حد المؤامرة - أسبابا جوهرية للنكسة - حسب تعبير ناصر- والذي صاغه محمد حسنين هيكل بتفرد، لأنه عكس واقع الحال، فما جرى كان مجرد انتكاسة في معركة، بينما الحرب ما زالت مستمرة ولم يفض إلى تحقيق أهداف الكيان الصهيوني ومن يقف وراءه من شن عدوان يونيو، وفي مقدمتها إسقاط النظام الناصري بتوجهاته الوطنية والقومية والمعادية للمخططات الاستعمارية والتدخلات الأجنبية في مقدرات شعوب المنطقة. وتزامن ذلك مع تغييرات في العمل السياسي الداخلي وإعادة بناء الاتحاد الاشتراكي العربي بعد إصدار بيان الثلاثين من مارس 1968، والذي تضمن نقدا ذاتيا للتجربة ودروس الاستفادة من الأخطاء التي وقعت فيها ووضع تصورات للنهوض مجددا، رغم أن شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" كان هو المهيمن على المرحلة. ثانيا: اعتماد عملية إعادة بناء القوات المسلحة على أسس احترافية وعلمية، بعد أن تخلص عبد الناصر من مراكز قوى أحاطت بقيادتها السابقة لها، اتسمت بالشللية وغض البصر عن الكفاءة والمهنية، وكان الولاء الشخصي هو المعيار، وتجلى ذلك في اختيار القيادة العامة من ضباط كانوا أنموذجا للانضباط والتميز في الأداء العسكري، وفي صدارتهم محمد فوزي الذي اختير قائدا عاما ووزيرا للحربية، وعبد المنعم رياض والذي عين رئيسا للأركان، وكلاهما لم يكونا من الحلقة الضيقة التي كانت تحيط بالمشير عبد الحكيم عامر وشلته، فضلا عن قادة آخرين أثبتوا جدارة قتالية في فترة وجيزة، مع إحداث تغيير إستراتيجي في نوعية المجندين من خلال الاعتماد على خريجي الجامعات والمعاهد المتوسطة، وهو ما جعلهم أكثر قدرة على التفاعل مع النوعيات الحديثة من الأسلحة والأنظمة التكنولوجية المتطورة التي تم الحصول عليها من الاتحاد السوفييتي الحليف الإستراتيجي في ذلك الوقت، مما أسهم في التسريع بوتيرة عملية إعادة البناء، مع توفير مناخات نفسية مغايرة لأفراد القوات المسلحة رفعت من معنوياتهم مع جرعات من التربية الوطنية والدينية عبر منهج علمي مختلف عما كان سائدا، وهو ما جعلهم جميعا في حالة ترقب للمواجهة، ودللوا عمليا على ذلك من خلال حرب الاستنزاف والعمليات التي سبقتها شرق قناة السويس وشكل ذلك تدريبا عمليا على الحرب القادمة، لذلك فإن ما جرى في السادس من أكتوبر لم يكن الا استمرارا لما خاضوه من مواجهات وتلقوه من تدريبات في الأعوام الستة التي سبقت الحرب. ثالثا: الاعتماد على المنهج العلمي في التخطيط للحرب وعدم ترك أي أمر، ولو كان متناهيا في الصغر، للظروف والخضوع التام للدراسات العملية والاختبارات المنهجية، بداية من اختيار ساعة الصفر وما يناسبها من ظروف مناخية، وما يتعلق بالمد والجزر في المجرى المائي لقناة السويس، فضلا عن متابعة عميقة للداخل الإسرائيلي، عبر شبكة جواسيس متغلغلة في مؤسسات الكيان، العسكرية والسياسية والاقتصادية، وكان أبرزها شبكة رأفت الهجان التي قامت باختراقات لأدق أسرار جيش الكيان، بما في ذلك الحصول على كل المعطيات المتعلقة بالتسليح والتدريب وخطط العمليات وأوضاع خط بارليف، الأمر الذي أسهم في سرعة الانقضاض عليه بعد دك مواقع العدو في سيناء بـ200 طائرة مقاتلة شكلت المدخل الأول لمعزوفة الانتصار في هذه الحرب. رابعا: حشد كل طاقات الدولة في المجهود الحربي وصياغة منظومة وطنية داخلية شكلت عنصر الإسناد الرئيسي للقيادة في استعداداتها للمواجهة، وتزامن ذلك في المساعي إلى بناء ظهير عربي ظهرت تجلياته كأبرز ما يكون في قمة الخرطوم في التاسع والعشرين من أغسطس من العام 1967 والتي قدمت الإسناد القومي لعبد الناصر من خلال عنصرين جوهريين، أولهما التوافق على مشروع المواجهة عبر إعلان اللاءات الثلاث: "لا إصلاح ولا اعتراف ولا فاوض مع العدو الصهيوني قبل أن يعود الحقل لأصحابه"، ثم التوافق على تقديم الدول النفطية دعما ماليا لدول المواجهة وهي إلى جانب مصر كل من سوريا والأردن، وهو ما لعب دورا شديد الأهمية في توفير منظومة الإسناد القومي لمصر وسوريا في حرب أكتوبر والتي امتدت إلى توظيف النفط كسلاح فاعل في المواجهة. وختاما لا أود أن أدخل طرفا في المناقشات البيزنطية حول دور كل من ناصر والسادات في الحرب، فكلاهما لعب الدور المنوط به ولم يكن السادات بمنأى عن الجهد الذي كان يقوده جمال، فقد كان واحدا من أهم المقربين منه، ويحظى بثقته، بدليل أنه اختاره في منصب نائب الرئيس في توقيت صعب قبيل توجهه للمشاركة في قمة عربية في المغرب تواترت معلومات عن مخطط لاغتيال عبد الناصر، وبعد رحيل الزعيم الخالد وتولى السادات الحكم واصل الرجل مسيرة إعداد الدولة للحرب، مستندا إلى خطط معدة وجيش جاهز وجند وضباط وقادة تسكنهم الأشواق للانتصار، متحملا مسؤولية إصدار قرار الحرب- وذلك في حد ذاته يعد إنجازا بالغ الأهمية - التي نجحت في كسر تفرد الجيش الصهيوني بالتفوق العسكري وشكلت رغم محدوديتها - وفق التوجيه الاستراتيجي الخاص بها - انتصارا حقيقيا كان العرب في حاجة إليه أيا كانت طريقة السادات في التوظيف السياسي لنتائجها في التفاوض مع العدو وهو ما اعتبره الكثيرون- وأنا واحد منهم - أقل مما كان يجب الحصول عليه.