12 سبتمبر 2025
تسجيلتعتبر التجربة السنغافورية تجربة رائدة على مستوى العالم، حيث أضحت نموذجا تنمويا يقتدى به، بدورها تمثل التجربة التنموية لدول مجلس التعاون الخليجي تجربة نجاح فريدة في منطقة الشرق الأوسط المليئة بالإخفاقات والتوترات المستمرة. من هنا، فإن التعاون الوثيق بين الجانبين الخليجي والسنغافوري ستكون له تداعيات مهمة على اقتصادات الطرفين، إذ لكل تجربة خصائصها التي يمكن أن يستفيد منها الطرف الآخر، كما أن تنوع الاقتصادات الخليجية والاقتصاد السنغافوري يمكن أن يكملا بعضهما البعض من خلال فتح مجالات واسعة للتعاون. ومع مطلع شهر سبتمبر الماضي دخلت حيز التنفيذ اتفاقية التجارة الحرة بين دول المجلس وسنغافورة، وهي اتفاقية مهمة للغاية ستتيح في حالة استغلال بنودها في تطورات لافتة ليس على مستوى التبادل التجاري فحسب، وإنما على المستويات الاقتصادية والتنموية الأخرى، مما سيؤدي إلى الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستويات جديدة، خصوصا وأن سنغافورة تعتبر البوابة الرئيسية للتجارة والمال والأعمال في الشرق الآسيوي، في حين تعتبر دول المجلس البوابة الأولى للتجارية والأعمال في الشرق الأوسط، إضافة إلى كونها المنتج الأول للنفط في العالم. وضمن قضايا أخرى عديدة تتيح هذه الاتفاقية إيجاد شراكة اقتصادية وتعاون اقتصادية وعلمية وتعليمية على اعتبار أن اتفاقية التجارة الحرة تغطي مجالات عديدة، كتجارة السلع والخدمات والاستثمار والتجارة الإلكترونية والتي تتطور بسرعة فائقة في دول المجلس وفي سنغافورة التي طبقت لأول مرة في العالم مناطق مجانية كاملة لشبكة الإنترنت. وكدليل على الآفاق المحتملة لتنمية العلاقات الاقتصادية يمكن الإشارة هنا إلى النمو الكبير للتبادل التجاري بين دول المجلس وسنغافورة في السنوات الخمس الماضية، حيث ارتفع التبادل التجاري بين الجانبين بنسبة 62% في العام الماضي 2012 مقارنة بعام 2007 ليبلغ 54.5 مليار دولار أمريكي، إذ تعتبر دول المجلس خامس أكبر شريك تجاري لسنغافورة، في حين حازت الشركات السنغافورية على عقود كبيرة خلال السنوات العشر الماضية في دول الخليج وبقيمة 16.5 مليار دولار. وفي هذا الصدد من المهم التنويه إلى ضرورة استفادة دول مجلس التعاون الخليجي من اتفاقيات التجارة الحرة الموقعة مع بعض بلدان العالم واتحاداته الاقتصادية، بما فيها تلك الاتفاقية التي بدأ العمل بها قبل شهر مع سنغافورة، فالاستفادة من الاتفاقيات السابقة كانت محدودة حتى الآن، حيث لم ينشط القطاع الخاص الخليجي في استثمار هذه الاتفاقيات لتنمية صادراته وإيجاد شراكات إستراتيجية. وضمن الاتفاقية الجديدة بالذات يمكن زيادة صادرات دول المجلس إلى الأسواق الكبيرة في شرق أسيا بصورة غير مباشرة، حيث تتمتع صادرات دول المجلس بإعفاءات جمركية تتيح زيادة صادرات المنتجات الأولية الخليجية من البتروكيماويات والألمنيوم إلى سنغافورة دون رسوم ويتم إعادة تصنيعها وتصديرها، على اعتبار أن عددا من هذه المنتجات يدخل ضمن مكونات الصناعات السنغافورية. وفي الوقت نفسه، فإن أسواق دول المجلس يمكن أن تشكل نقاط مرور للصادرات السنغافورية لبلدان الشرق الأوسط وإفريقيا. ونظرا لاشتراك دول المجلس وسنغافورة بالعديد من المؤشرات والتوجهات التنموية، كالمستويات المعيشة المرتفعة وتوفر السيولة النقدية، فإن إقامة شركات إستراتيجية، بما فيها الشركات المساهمة العامة يمكن أن يشكل نقلة نوعية من خلال تكامل السوقين واستغلال الحوافز والأفضليات التي تتمتع بها كل من المنتجات الخليجية والسنغافورية. وفيما عدا المجال الاقتصادي والاستثماري، فإنه يمكن لدول المجلس الاستفادة بشكل خاص من نظام التعليم المتقدم جدا في سنغافورة والذي يعتبر واحدا من أفضل نظم التعليم في العالم، مما يعني أن هذه الاتفاقية تتيح محالات تعاون غير مسبوقة بين الجانبين، إلا أن تطبيقها والاستفادة منها بحاجة لتعاون القطاع الخاص الخليجي والذي وفرت له دول المجلس أرضية قوية من البنى التشريعية والتسهيلات والاتفاقيات مع العديد من بلدان العالم.