12 سبتمبر 2025

تسجيل

"لحوم العلماء مسمومة"

06 أكتوبر 2011

العلماء هم ورثة الأنبياء بوصف نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولهم مكانة عظيمة في الإسلام، ذلك لأنهم قضوا جلّ حياتهم ومعظم أوقاتهم وهم يتعلمون في شؤون ديننا العظيم ويعلّمونه للناس عبر دروسهم ومواعظهم وخطبهم ولقاءاتهم بطلبتهم أو بمشاهديهم في برامجهم ومتابعيهم في كتبهم وسائر وسائلهم، فدورهم عظيم بلا شك خاصة في أوقات الفتن والمحن حين يلجأ الناس إليهم لتوضيح ما التبس عليهم من الأمور ومعرفة المحكمات من الآيات ومعرفة الشبهات وتمييز الخط الواضح بين الحلال والحرام، هذا هو دورهم وهذه هي رسالتهم التي حملوها على عاتقهم بمجرد سلكهم طريق العلم لأنهم بمجرد دخولهم في طريق العلم فإنهم ملزمون بتبليغ هذا العلم وإيصاله للناس بفهم واضح وبأسلوب ينهل من الحكمة والموعظة الحسنة اقتداءً بنبينا محمد عليه الصلاة والسلام، حتى وإن بلغ علمهم أدنى درجاته.. آية واحدة.. "بلغوا عني ولو آية".. فلا عذر أبداً لهم.. ولا لنا كذلك. قبل عدة سنوات.. وتحديداً وقت قيام صدام حسين بغزو الكويت ووقت اشتعال الفتن في دول الخليج العربية وسائر الدول العربية والإسلامية حول مشروعية الاستعانة بالدول الكافرة أو بالإنسان الكافر في الحرب أو القتال بين المسلمين أنفسهم، وطبعاً تعالت أصوات العلماء وقتها وتخافتت أصوات علماء آخرين!!، ولكن الآخرين هؤلاء يكادون يشكلون نسبة كبيرة من مجموع العلماء حيث تركوا الساحة للهرج والمرج وللإفتاء والإدلاء برأي المتردّية والنطيحة، حتى أخذ مرتادوا المقاهي يفتون بينما العلماء صامتون لا يتكلمون فيجيبون على الكثير من الأسئلة الحائرة في النفوس. وأذكر أنني ذهبت لصلاة الجمعة في جامع بعيد عن منزلي، ونحن لا نزال في الأسابيع الأولى لتلك الحرب التي سمّيت فيما بعد بحرب الخليج الثانية، وحديث الناس وقتها كان عن قضية الفتنة في احتلال مسلمين لأراضي مسلمين آخرين، ومدى مشروعية الاستعانة بكفار متمثلاً ذلك في القوات الأمريكية ومن معها من قوات التحالف آنذاك، وصُدمت حقيقة عندما استمعت إلى خطبة الجمعة من أولها إلى آخرها لأجد الخطيب يتحدث عن " سنّة صلاة ركعتين تحية المسجد!! " فلم أتمالك نفسي بعد الصلاة وأخبرت الخطيب بأهمية أن يتحدث الخطيب عن موضوع الساعة لا أن يتحدث عن موضوعات تصلح لأن تكون في درس أسبوعي مثلاً، لا أن يضيّع فرصة اجتماع مئات الناس وأن يأخذهم بعيداً حيث اللاوعي عن واقعهم.. والتخدير الموضعي لجسد الأمة وروحها، ومما زاد الطين بلّة أن الخطيب لم يعترف بتقصيره، فلو قال إنني مُنعت من الكلام في هذا الموضوع لعذرته، ولكنه قال لي مدافعاً عن نفسه: أنا تكلمت عن مواضيع ساخنة من قبل.. ولكن يبدو أنك أول مرة تصلي معي!!، فلم أستوعب حقيقة ماهية هذه الجملة أهي دعاية غير مباشرة؟ أم أنها تبرير أم ماذا بالضبط؟ لقد عاشت الأمة العربية والإسلامية ولا تزال في هذا العام 2011م بداية ثورات لأنظمة فاسدة ظالمة مجرمة.. أنظمة سرقت وخانت وبطشت وقتلت.. وجثمت على جسد الأمة العربية والإسلامية عقوداً من الزمن، حتى أنها كبّلت جهود الدعاة والمصلحين بل والعلماء أنفسهم من القيام بدورهم الأساسي في نشر العلم وتعليم الناس وكبّلت التطوير والتقدم ورسّخت العبودية للغرب وللأعداء، وللأسف فإن ردود أفعال كثير من علماء اليوم تكاد تكون ضعيفة إذا ما قورنت بردود أفعال علماء الأمة الكبار ممن ينهلون من نهل تراثهم حتى يومنا الحالي كابن تيمية وأحمد بن حنبل ومالك والشافعي.. وغيرهم كثيرون ممن عانوا كثيراً في سبيل نشر دين الله وتوصيل فهمهم الصحيح والسليم لهذا الدين العظيم، لم تثنهم تهديدات ولا عطاءات عن أن يقولوا كلمة الحق فلا يخافون في الله لومة لائم، ولكن وللأسف فإن الكثير من علماء الأمة العربية والإسلامية غاب دورهم حتى مع انتصار الثورات فلم نسمع لهم أصواتاً ولا آراء تذكر عن موقفهم ورأيهم الشخصي على أقل تقدير، ناهيك عن أولئك الذين خُدعنا فيهم وكنا نحسبهم شيوخاً ودعاة فإذا بهم يخونون الله ورسوله ويدافعون عن حكام ظلمة وقتلة فكان جزاؤهم أن فضح الله أمرهم وأذهب عنهم حبّ الناس لهم بمجرد دفاعهم بكلمة واحدة عن هؤلاء الحكام الطغاة، فكسبوا رضوان الحكام وخسروا رضوان الله.. والله أحق أن يرضوه، فأذهب الله محبتهم وتوقيرهم وتقديرهم في نفوس الناس. وهناك من العلماء من اعتزل الأمة في وقت الفتنة وترك الجهلة وأدعياء العلم يرددون أحاديث النبي العظيم بكل فهم سقيم وينهرون الناس عن الخروج على الحكام المجرمين مرددين (عليكم بالسمع والطاعة ولو تأمّر عليكم عبد حبشي) في اقتصاص واجتزاء للمعنى المراد به هذا الحديث والذي يتحدث عن حاكم مسلم مقيم لشرع الله ولحدوده وقد نختلف معه في أمر دنيوي أو خلافي، فهو معنى لا ينطبق على كثير من حكام اليوم ناهيك عن أن تصل إلى حد أن يكفر بإجماع العلماء حاكم كأبي رقيبة عندما استهزأ بالصوم وكان يشرب الماء جهاراً أمام التلفزيون في رمضان ويقول إن الصيام لم يعد صالحاً في زمننا هذا أو كالقذافي عندما استهزأ بنبينا وقال بأنه "ساعي بريد" وبشعائرنا كالحج وينادي للحج إلى القدس!!، وغيرهم ممن سفكوا الدماء أنهاراً في الطرقات، وسرقوا أموال الناس بغير حق حتى صرنا أصحاب أكبر كنز منهوب في تاريخ الأمم، وبعد ذلك كله نسمع من يردد بغباء وجهل "عليكم بالسمع والطاعة".. ورحم الله بعض علمائنا الذين جهروا بتوضيح هذا الجهل عند العامة من أمثال الشيخ القرضاوي والشيخ محمد العوضي ونبيل العوضي ومحمد العريفي والدكتور محمد موسى الشريف وغيرهم ممن لم يختبئوا في مثل هذا الوقت العصيب للأمة وجاهدوا بكلماتهم من أجل نصرة دينهم أولاً ومن أجل تبليغ الرسالة أسوة بالأنبياء والعلماء من قبل، فهؤلاء هم العلماء حقاً وحري بنا أن ندافع عنهم بكل قوة وأن نقول " لحوم العلماء مسمومة " فلا تنهشوها بغيبة أو نميمة أو بأقل سوء.. وللحديث بقية.