17 سبتمبر 2025

تسجيل

لذة العطاء

06 سبتمبر 2020

تتقلب أحوال الناس الاقتصادية والنفسية والاجتماعية، فهي دوما بين مد وجزر، هكذا هي الحياة، في كل حقبة زمنية هناك ما يميزها، وعندما ينضج الانسان ينتقل من مرحلة الأخذ والدراسة والتعلم وتكوين الثروة إلى مرحلة جني الثمار لتعب سنوات مضت. العطاء هو عملية يتم من خلالها انتقال حيازة ما من ملكية إلى ملكية أخرى؛ فيعطي الانسان أموالا، وأوقاتا، وعاطفة، واهتماما، حتى الابتسامة هي نوع من العطاء، وعندما يقوم الشخص بهذه العملية فإنه يشعر بالسعادة ولذة العطاء. البخيل هو الذي يشح على الآخرين بمعرفته وخبراته لذا فقد نعتت الأم بنهر العطاء المتدفق، ونعت المعلم بالبحر الكريم. قرأت مقالا منذ فترة هو عبارة عن ملخص لكتاب مترجم عنوانه "ارحل خفيفا" مفاده "لا تقف عن تقديم الخدمات والمعارف والنصيحة للآخرين بشكل مجاني"، هذا العمل يجعل ما لدى الشخص من ثروة تنتقل منه إلى حواضن أخرى تستمر إلى يوم القيامة. رجل في الخمسين من عمره، لديه بيتان في منطقتين مختلفتين، يسكن واحداً، ويؤجر الآخر لسنوات، خلال السنتين الأخيرتين لم يتم تسديد أي أجرة لذلك البيت المستأجر، أخذ ابنه معه الى تلك المنطقة ووصلا الى بيته، قرع الجرس فخرج ولد صغير عمره لا يتجاوز العاشرة سأله أين أبوك؟ فقال أمي موجودة فقط، خرجت الأم ومعها البنيات الصغيرات، قالت إن زوجي مات من سنتين وليس لنا معيل وليس لدينا ما نسدد به قيمة الايجار، بالله اصبر علينا يومين كي ندبر امورنا في الخروج من البيت، وأمر المتأخر من الإيجار سيعيننا الله على سداده، قال هذا الرجل الخمسيني: لا.. غدا نتواجه عند المحكمة، استحلفته بالله ان يرحم ضعفهم فأبى. في صباح اليوم التالي وصل الجميع عند القاضي، الرجل صاحب البيت والأرملة وابنها ذو العشرة أعوام، بعد سؤال القاضي وثبات الحالة الواقعية، أمسك الرجل بيد الابن فقال: اشهد أيها القاضي أن هذا صك البيت الذي يسكنونه أريدك أن تكتبه باسم هذا الصبي وأمه وأخواته جميعا هبة من دون أي منة واقدمه وقفا لله تعالى، فخرت الأم مغشيا عليها من الفرحة، بعد أقل من عام تم تثمين جزء من مزرعة يملكها هذا الرجل بملايين الريالات. فبعض الناس سهل تتناقش معه، سهل تطلب منه حاجتك، سهل تتكلم معه، سهل ترضيه، سهل تعتذر له، سهل يعذرك، قريب من الناس، هين لين سمح القضاء والاقتضاء والشراء والبيع، تتعامل معه بتلقائية، هؤلاء هم الودودون الذين يشعرون بلذة العطاء ويعيشون نشوتها. في ذاكرتكم الآن العديد من الأسماء التي لن تمحى على مدى الزمن، هذه الأسماء استطاعت أن تقدم لكم شيئا كنتم تحتاجونه بدرجة عالية؛ فجاء ذلك العطاء منقذا، صاحب الأسرة الذي انقطع عن وظيفته لو ساعدته بألف ريال سيراها مليونا في ظرف اللاوظيفة، والبنت الحائرة في قبول زوج ليس هو حلمها ولكنه يملك مواصفات الزوج المسؤول، النصيحة بأن تتزوجه هي عبارة عن هدية عمر قادم، وجبر خاطر شاب انتهك أبوه كل الأعراف والقيم وتركهم يهيمون ويصارعون أمواج الحياة، هذا الشاب لو قمت بجبر خاطره وهو في حالة الكسر النفسي والمعنوي سيكون حديثك بمثابة لوح الخشب الذي يتعلق به الغريق فينقذ أسرة كاملة. في الأسبوع الماضي تعرضت لوعكة صحية بسيطة، زارني الكثير من الأهل والأصدقاء، إلا صديقا واحدا لم يلبث إلا أن يبعث لي يوميا بوكيه ورد مختلفا أو صينية شوكولاتة فاخرة أو طبقا من بيتهم، ويتصل مرتين في اليوم للاطمئنان، بل والأكثر من هذا يبحث عن أمهر الأطباء في البلد، ويحجز لي المواعيد ويدفعني إلى الذهاب للمتابعة الطبية حتى ولو كان الطبيب اسمه "بط"، مثل هذا الصديق فاق في عطائه حدود المعقول، وهو حتما يشعر بلذة العطاء ونشوة الراحة. ودي أهمس لكم نصيحة: لا تحقرن من المعروف شيئا، اجعل يومك مليئا بالعطاء: نصيحة، انصات، علم، ابتسامة، صدقة، تفريج هم، دعم معنوي، طبق من غدائكم اليومي، أي عمل يجعلك تخرج من هذه الدنيا وترحل خفيفا، باختصار لا تصير بخيلا. آخر الكلام: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألا أخبركم بمن يحرم على النار، وبمن تحرم عليه النار؟ على كل هين لين قريب سهل" دمتم بود. [email protected]