13 سبتمبر 2025

تسجيل

التدوين كفنّ أدبي

06 سبتمبر 2013

كثيرة هي روافد الأدب التي تصب في نهر الإبداع، نجلس على أطرافه نرتوي الجمال ولا نكاد نشبع، إن مثل هذا النهر لا ينضب، منذ الأزل وحتى الأبد. ثم إنها تتنوع فنون الأدب بتنوع الذائقة الأدبية، وأداة المبدع نفسه، أكان إنتاجه الأدبي، في الشعر أو الرواية أو المقال..الخ من الفنون. وقد تلد الثقافات أصنافاً جديدة، تناسب طبيعة عصرها، والمجتمع المحيط من الأفراد وحتى الوقت من الزمن. ففي العصر الأندلسي ظهر لنا أدب الموشحات، الفن الذي ناسب البيئة الأندلسية آنذاك، ووافق طبع الفنان الأندلسي ونفسيته في جو الخضرة وازدهار الحضارة الإسلامية والعلوم، فنشأ هذا النوع من الأدب الذي تأثر بفن الموسيقى، والمعازف والشعر الغنائي الذي انتشر آنذاك. و لأن العصر اختلف، منذ تلك الأزمنة إلى الآن، فكان أن عمل الإنسان على اختراع ما يُلائم الحياة العصرية في سرعتها وتطورها وتنوع الأدوات التي بها ينشر الكاتب كلمته، والشاعر قصيدته، لأن يصل إلى الجمهور عن طريق إبداعه الذي عكف على صناعته، وغذاه من وقته وجهده وأعصابه. فكان أن ظهر لنا "التدوين الإلكتروني" أو إن صحت التسمية "فن التدوين"، والذي يعرف بأنه وسيلة النشر للعامة. والتي أدت إلى زيادة دور الشبكة العالمية، باعتبارها وسيلة للتعبير والتواصل أكثر من أي وقت مضى، وبالإضافة إلى كونه وسيلة للنشر والدعاية والترويج للمشروعات والحملات المختلفة. ويذكر أنه يمكن اعتبار التدوين إلى جانب البريد الإلكتروني، أهم خدمتين ظهرتا على شبكة الإنترنت على وجه الإطلاق، يليه الويكي. لقد أصبحت بعض المدونات تساوي مساحة في صحيفة، وعامود لمقال يومي أو أسبوعي، إذ يلجأ إليه الكتّاب كوسيلة أسهل وأسرع، وتواصل مباشر مع المتلقي، دون اللجوء إلى الصحف التي ستتبنى حرفه. فهي مساحة رسمية تمثل صاحبها، وتعبر عن رأيه وتنشر آراءه وأفكاره. ويميز المدونة أيضًا، أن لا سقف لها، فهي الحرية المطلقة للقلم والفكر، دون ضوابط وشروط، إلا أن يكون المدون هو رقيب نفسه، عتيدا لقلمه. لعل المدونات صارت فنا أدبيا، قد تُدرج فيما بعد تحت الفنون الأدبية المعروفة من شعر ورواية وغيرها. فلا يمكننا أن نغفل أن بعضها يساوي كتبا لثقل مادتها الأدبية، ولضخامة الكم الثقافي الذي تحويه. فالمدون هو فنان في النهاية، لا يقل إبداعه أبدًا عن الكاتب أو الشاعر أو الفنان التشكيلي، إذ انه بطريقة أو بأخرى، يمر بالعملية الإبداعية ذاتها التي يمر بها أي فنان آخر، حتى تتم ولادة النص الإبداعي أكان أدبي أو في أي مجال آخر. إن الإنسان لا يتوقف عند حد للعلم، ولا يلجم رأيه إن أراد أن يرتفع صوته أي أمر آخر، فلا يزال يخترع الوسائل التي يراها جسر التواصل بين ذهنه والأذهان الأخرى، بين ما يدور في رأسه ويريد أن يفهمه الكون من حوله، الإنسان هو القضية الإبداعية أولًا وأخيرًا.