17 سبتمبر 2025

تسجيل

من صفات الأنبياء

06 أغسطس 2013

لا جدال في أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، هم خيرة خلق الله، وصفوته من عباده، اصطفاهم على سائر مَن خلق، وجعل لهم العصمة من الذنوب والسيئات، والبراء من كل ما يخالف الفطرة السليمة والصبغة الدينية، والمروءة الخُلقية، وحلاهم وزكاهم بأسمى وأرفع الأخلاق والآداب، التي تجعلهم بحق القدوة الحسنة، والنموذج المحتذى، والمثل الأعلى، للناس قاطبة، على اختلاف الأمكنة ومر الأزمنة، لمن أراد الله والدار الآخرة، والفلاح والنجاح في الحياة الدنيا، لاسيَّما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، سيد الأولين والآخرين، وإمام الأنبياء والمرسلين، المزكّى من رب العالمين، بقوله في كتابه المبين: (وإنك لعلى خلق عظيم). أخبر المولى جل وعلا عن أنبيائه صلوات الله وسلامه عليهم، ذاكراً بعضاً من أخلاقهم الكريمة، وصفاتهم الحميدة في سورة الأنبياء، بقوله: (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين)، إن الله جل وعلا في هذه الآية يثني عليهم بثلاث صفات، الأولى هي المبادرة والمسارعة في فعل كل الطاعات، ما كان منها بين العبد وربه من مختلف العبادات والقُربات، وما كان منها بين العبد وأخيه المسلم من المعاملات والأخلاقيات، لذا عبر الله عن ذلك بهذه الكلمة الجامعة (الخيرات)، إذ كل ما سبق خير يعود على الفاعل، سواء إذا قصد عبادة الله تعالى بعمل الخير، أو قصد معاملة أخيه المسلم لوجه الله رجاء ثوابه، وهذا من قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون)، وهذه المسارعة في فعل الخيرات تنم عن عزيمة صادقة قوية، لا يطالها تلكؤ وتأخر، ولا يصيبها سآمة ووَنَاء، وتدل على اغتنام الأعمار وإشغال الأوقات بالباقيات الصالحات، وجاءت بصيغة المضارعة "يسارعون" التي تفيد الاستمرار والدوام، وهذا هو ديدن العبد المسلم، لا يفرغ من عبادة حتى ينتقل إلى عبادة أخرى، إلى أن يلقى وجه ربه الكريم، وعندما سئلت عائشة عن عمل النبي قالت: (كان عمله دِيمة) أي: مداوم على فعل الطاعة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل). الصفة الثانية، دعاء الله في حالتي الرغب والرهب، اللتين هما طرفا معادلة الدعاء، والرغب هو ما يرغبه المرء ويحبه ويطمع فيه، وعكسه الرهب، ما يخافه ويكرهه ويفزع منه، فالواجب علينا إذن أن ندعو الله فنسأله ما نحب طلباً للخير، ونستعيذه مما نكره دفعاً للشر، إذ يتعين من ذلك الجمع بين الرجاء والخوف، وهما، كما قال العلماء، الجناحان اللذان يطير بهما المسلم، والمقتضى من تحقيق هذه المعادلة في الدعاء، أن يكون المسلم مع ربه في حالة الرخاء وأيضاً في حالة الشدة، وهذه مسألة في غاية الخطورة، فمن الجهل الأعمى والطامة العظمى، أن يدعو المسلم ربه فقط في حال الشدة وينساه في حال الرخاء، فيدخل في قوله تعالى: (وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ)، وينطبق عليه كذلك قوله تعالى: (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ...) الآية. ولكن الواقع الكائن في دعاء الكثير من المسلمين الرغب فقط، كأنما بتروا طرف الدعاء الآخر، أعني به الرهب، مع أن المتأمل في دعاء القرآن الكريم الذي هو أفضل وأعلى الدعاء بإجماع علماء المسلمين، يجده يجمع بين الرغب والرهب، وعلى سبيل المثال، الدعاء الذي كان يكثر منه النبي وهو قوله تعالى: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)، فكما ترى، في أوله رغب وفي آخره رهب، وكأن يقول المسلم في دعائه: (اللهم ارحمني ولا تعذبني، واغفر لي ولا تؤاخذني، واعطني ولا تحرمني، واسترني ولا تفضحني...). أما الصفة الثالثة، ففي قوله تعالى: (وكانوا لنا خاشعين)، أي متواضعين لله، لا يدلّون بعبادتهم، ولا يرون لهم فضلاً على غيرهم من العباد، موطَّؤون أكنافاً يألفون ويؤلفون، وقد قال الله مخاطباً النبي: (واخفض جناحك للمؤمنين)، وهي كناية عن التواضع ولين الجانب وسهولة الخلق، ولا ننسى ما جاء في الحديث الشريف: (من تواضع لله رفعه الله)، فلسان حال ومقال الصالحين: ربنا ما عبدناك حق عبادتك، تقبل طاعاتنا، واعف عن تقصيرنا.