12 سبتمبر 2025
تسجيلمتابعة المشهد السياسي في المحروسة – مصر- تنبئ بالرغم مما يبدو على السطح من تطورات إيجابية أهمها وصول رئيس مدني منتخب إلى السلطة وتشكيل حكومة أقرب إلى الائتلافية – بأن بلوغ حالة الاستقرار المأمول مازال بعيد المنال وذلك ناتج عن ظروف وملابسات موضوعية حددها لي السفير رفاعة محمد الطهطاوي الدبلوماسي المصري وحفيد مؤسس التنوير الفكري والثقافي في مصر الراحل العظيم رفاعة الطهطاوي في زمن محمد علي والذي كان واحدا ممن قرروا الانحياز إلى ثورة وثوار الخامس والعشرين من يناير تاركا بمحض إرادته منصب المتحدث الرسمي باسم الأزهر فيما يلي: أولا: إن الاستقرار شرط ضروري ومطلوب بإلحاح بيد أننا لم نصل بعد إلى مرحلة الاستقرار المطلوب أو حتى بداياتها ولكننا نأمل وبكل تحفظ أن نكون قد وضعنا أقدامنا على الطريق، لأن ما تشهده مصر الآن هو صراع حقيقي بين تيارين، لا أقول بين تيار إسلامي وآخر ليبرالي، وإنما بين الإرادة الشعبية المعبر عنها من خلال صناديق الاقتراع وبين مراكز قوى راسخة مستندة إلى مؤسسات تمتعت بسلطان مطلق دون سند لا من قانون ولا إرادة شعبية ولا تزال الكلمة العليا في مصر لهؤلاء الذين لم ينتخبهم أحد والذين يفرضون أنفسهم أوصياء على المسيرة الشعبية. وعلى أي حال ثمة نوعان من الاستقرار يمكن أن تصل إليها الأمور، أحدهما ما يمكن وصفه باستقرار الركود والوقوع في وهدة الاستبداد مرة أخرى وقمع الحريات، بينما النوع الثاني من الاستقرار والذي ننشده فهو القائم على انتصار الإرادة الشعبية، ولا ينهض على الاستكانة للاستبداد والرضا بالهوان والقبول بالتخلف واستمرار الأمور على ما كانت عليه. وبالطبع ليس هذا استقرار الأحرار الذي ننشده إنما هو استقرار العبيد. أما ما نتطلع إليه فهو أن تقوم في مصر دولة حرة أساسها سيادة للقانون ويشعر أبناؤها بالعدل والمساواة ويختارون حكامهم بإرادتهم الحرة ويقررون مصيرهم وسياستهم بأنفسهم دون أي إملاءات. وعندما يتحقق هذا الاستقرار المنشود ستنطلق الطاقات وتتفجر الملكات ويحدث الإبداع الحقيقي على كافة الأصعدة. ثانيا: بكل وضوح هناك صراع سلطة حقيقي واقع وقائم بين الطرفين وهو ليس أمرا معيبا إذ إن الصراع يكون معيبا فقط عندما يكون الهدف الأوحد منه مجرد الحصول على السلطة أو الوصول إليها. لكن عندما يكون هناك من يريد استنقاذ السلطة من أيدي من لا يستحقونها لتعود لأصحابها الشرعيين "الشعب" حتى يمكن تداولها بكل ديمقراطية فهذا ليس صراعا محموما على السلطة بل محمودا ومطلوبا. ببساطة لأن المعيار في تقييم الصراع على السلطة مرتبط بالهدف من الاشتراك فيه. وحركة التاريخ ترصد أن كافة الثورات التي حدثت كانت ضربا مسلما به من الصراع على السلطة ولكن لا يستوي في صراع أو آخر من لا حق له في تلك السلطة ومن له كامل الحق والشرعية فيها. وهنا سألته: هل تقصد أن الصراع الآن على السلطة في مصر بين قوى ثورة يناير والقوى المضادة لها؟ فأجانبي قائلا: نعم الصراع الدائر الآن هو بين هاتين القوتين بالأساس. فلدينا رئيس منتخب ينتمي للثورة ومؤسسات ما يعرف بـ " الدولة العميقة" معظمها إن لم يكن جميعها تنتمي إلى النظام السابق وهو ما يجعل الصراع واضحا وضوح الشمس. ثالثا: إن ما شهدته الفترة الماضية من محاولات دؤوبة ومستمرة لتعكير الصفو وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه فيما يعرف بالثورة المضادة لا تهدف في مجملها إلا إلى تكفير الناس بالثورة وتأليبهم على الثوار وإغراقهم في بحر من الحيرة بين ما يسمعونه من نخب وإعلام لا يخدمان سوى أجندات بعينها تهدف إلى اختلاط الحق بالباطل وإلباسه صورة الحق، وكل ذلك من خلال تجويع الشعب وجعله مفتقدا للأمن وضروريات الحياة. مما يجعله ثمرة ناضجة ومؤهلة لقبول استمرار الركود وعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الثورة. وكاد أن يحدث هذا في معركة الإعادة لانتخابات الرئاسة. وهي لا تزال مستمرة لم تتوقف حتى اللحظة ولكن هذه المخططات باتت معروفة كما أن من يقفون وراءها أصبحوا معروفين محليا وإقليميا ودوليا. وهذا التحالف الداخلي - الخارجي المشترك الذي مازال يستهدف الثورة ليس مجرد افتراض أو إحساس أو تبنى لنظريات تخوين بل هو حقيقة على الأرض يلمسها الجميع ولا داعي للمراوغة أو الإنكار. رابعا: قلت للسفير طهطاوي: لتفادي الوقوع في سيناريو الركود ووهدة الاستبداد والارتماء في أحضان وبراثن الثورة المضادة، ما هو المطلوب في رأيك لتطهير تلك المؤسسات من الفساد المستشري بها من ناحية وإعادة تقنين أوضاعها على النحو الذي يجبر كافة الفاسدين لإعادة تأهيل أنفسهم بما ينسجم مع مقتضيات الديمقراطية التي نتطلع إليها، إذ لم يعد ثمة مجال للإقصاء في مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير؟ فعقب موضحا: دعني أعلق على أهم نقطة من منظوري الشخصي وهي إعادة تأهيل العناصر الفاسدة بمؤسسات الدولة لأن هذه المسألة بها قدر عال من المثالية، ببساطة لأنها لن تعيد النظر في إصلاح نفسها وسلوكها فهي لا ترى في الثورة إلا كل شر يقوض من سلطاتها القائمة على غير أساس من الكفاءة أو الاستحقاق أو الشرعية. ثم حتى إذا اتفقنا على إمكانية إعادة تأهيلهم تجاوزا، فلا تزال هناك ثمة مشكلة حقيقية تكمن في أن من يقوم بخطوة من هذا النوع لابد أن يتمتع بسلطة كاملة وهو مالا يتفق مع الواقع القائم على الأرض والذي يشير إلى أن السلطة الفعلية حتى هذه اللحظة لا تزال في يد مؤسسات أخرى وكيانات قانونية أنشئت نشأة غير طبيعية في وقت مريب وبسرعة أكثر ريبة. وتأتي أحكامها وقراراتها كلها وبدون استثناء لصالح هدف معين وبما يوحي للناس أن هذا هو حكم القانون بينما في الواقع الأمر مسيس تماما. لذا ينبغي أن نصارح الناس ونتكلم بوضوح، هل بمقدور أحد أن ينكر أن هذه الأحكام مسيسة وأنها تحاكى بالليل لتصدر بجزء من النهار عندما يضغط البعض على ذر التشغيل. وكل هذا يدل على أن السلطة الحقيقية لا تزال في غير من انتخبهم الشعب ليمثلوه وهو أمر لا ينذر بخير إذا استمر. خامسا: ثمة مخرج بالتأكيد يكمن كما يقول السفير الطهطاوي - في ثقتنا في الله أولا ثم في هذا الشعب العظيم وقراءة التاريخ الذي يشير إلى حتمية انتصار صوت الحرية وإرادة الشعوب مهما طال الأمد فشعاع الصبح لابد طالعٌ. فنحن وحتى يوم ٢٤ يناير ٢٠١١ لم نكن نتصور أن يسقط النظام السابق ولكن عندما تحرك الشعب اهتزت أركانه وهوى إلى الأرض. من كان يصدق أن شعبا أعزل وشباب دون تنظيم ولا عدة استطاع أن يقتلعه ويجتثه من جذوره؟ أقول لكل من لا يعبأ بالوطن وشعبه ومقدراته وإرادة أبنائه: لا تستهينوا بهذا الشعب ولا بإرادته واحذروا غضبته ببساطة لأن الشعب أفاق من سباته وخرج من القمقم. إجهاض الثورة السطر الأخير: يا رب متعب أنا في حاجة إلى فضلك ورحمتك وعونك كي تنقذني من ألوان حصارات عديدة تجتاح الروح والقلب والجسد، من لي يا رب ينقذني وينجيني فارفع مقتك وغضبك عني يا رحمن يا رحيم.