17 سبتمبر 2025
تسجيلفي التراث الإيراني قول مأثور يعبر عن طبيعة التفكير الإيراني، فهنالك عبارة فارسية مشهورة تقول: (أصفهان نصف جهان أكر تبريز نباشد)! وتعني بالعربية إن أصفهان نصف العالم إذا لم توجد مدينة تبريز، وما جرى في مدينة أصفهان الإيرانية في الأيام الأواخر من شهر رمضان من تظاهرات شعبية تدين الوجود العسكري الإيراني في سوريا، وتدعو النظام الإيراني للالتفات والاهتمام بالأوضاع الإيرانية الداخلية والتركيز على المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الإيرانية المتراكمة، هو بمثابة تطور مهم لحركة الشارع الإيراني المؤيدة لخيارات السلام تجاه الشعوب المجاورة وجلها شعوب شقيقة ترتبط والشعب الإيراني بوشائج وصلات تاريخية ودينية وحضارية وثيقة، ولا تحمل للشعب الإيراني إلا كل المودة والاحترام والرغبة في التعاون المثمر من أجل بناء المنطقة وتحسين فرص الحياة والتنمية فيها، وقد بات واضحا لجميع المراقبين وفي طليعتهم الرأي العام الإيراني بأن تورط المؤسسة العسكرية العقائدية للنظام الإيراني في شؤون وملفات ومشاكل الشرق القديم قد توسع بصورة غير مسبوقة ولدرجة باتت تؤثر وتترك انعكاساتها على الواقع الداخلي الإيراني بما تحمله من نتائج وتداعيات لا تصب أبدًا في خدمة هدف التقارب والتعاون بين شعوب الشرق. لقد تحرك الشارع الإيراني باتجاه الضغط على الأطراف المتشددة في النظام الإيراني بضرورة إعادة النظر في سياستهم التي وسعت من مساحات المقابر في إيران، فتوافد مئات الجثث من الشباب الإيراني المتساقط في المعارك السورية ليس بالأمر الذي يبشر بخير، ولا بالأمر الذي يسعد الشعب الإيراني الذي قدم أثمان باهظة وغالية في حرب ماراثونية شرسة طويلة تركت منسية لأكثر من ثمانية أعوام مع العراق أعوام (1980/1988) التهمت أرواحا وثروات وزرعت ما زرعت من المآسي والأحقاد، وأضحت اليوم الحرب السورية بخسائرها البشرية الرهيبة تذكر جموع الشعب الإيراني بتلك الحرب وذكرياتها المريرة، ليس من المصلحة الإيرانية في شيء استعداء الشعب السوري وشعوب المنطقة عبر سياسة المغامرة العسكرية التوسعية التي أثبتت فشلها الذريع، ففي الحرب السورية فقد الإيرانيون جمهرة كثيرة من شبابهم، كما خسر الجسم العسكري الإيراني ذاته عشرات القادة الميدانيين الذين قضوا في حرب عدوانية شرسة ضد الشعب السوري ليس للشعب الإيراني فيها ناقة ولاجمل، إضافة لما ستزرعه تلك الحرب من مشاعر عدائية بين شعوب الشرق لا يتمنى أحد أن تسود، فالشعب الإيراني وهو يكافح من أجل حياة أفضل، ومن أجل مواكبة العالم المتحضر لا يبدو على استعداد لركوب قطار المغامرة والمشي خلف أجندات عدوانية فاشلة لم تحقق أي نتيجة سوى الخراب والدمار وإشاعة الكراهية والبغضاء ودعم وتنشيط الحركات المغالية وتفعيل كل محطات الإرهاب الأسود الذي أخذ يضرب المنطقة شمالا وجنوبا وشرقا وغربا ولم يعد أي طرف إقليمي بمنأى من مفاجآته القاتلة المرعبة، والشعب السوري حينما أعلن ثورته ضد الظلم والطغيان ونظام التسلط والإرهاب فهو إنما كان يعبر عن رأيه وعذابه ومعاناته من الاستبداد وليس معقولا أن يكون ساسة طهران أكثر فهما لمعاناة السوريين من السوريين أنفسهم، لقد خرجت تظاهرات الشعب الإيراني في أصفهان في وقت وسع النظام الإيراني فيه من قواعد وأساليب تدخله وأوعز لقوات البحرية الإيرانية بدخول معركة دعم النظام السوري المنهار!! وهو ما يتناقض ويتضارب كليا مع مصلحة الشعب الإيراني الذي يهمه كثيرا أن تصرف موارد وخسائر الحرب السورية الهائلة على احتياجات الإيرانيين الذين عانوا وما زالوا من سنوات الحصار الدولي الطويلة المرهقة بسبب سياسات النظام.